القانون و استخدام تكنولوجيا الاتصالات في اعمال الادارة الحكومية و التعاملات الالكترونية

الأبحاث المنشورة

عدد القراءات: 9472


ورقة عمل مقدمة

للمؤتمر الوطني للتشريعات الالكترونية

9 و 10 يونيو 2013

 

الدكتور

محمد حسين الفيلى

قسم القانون العام  كلية الحقوق

جامعة الكويت

 

القانون و استخدام تكنلوجيا الاتصالات في اعمال الادارة الحكومية و التعاملات الالكترونية[1]

 

القانون هو قواعد تتسم بالعموم والتجريد والإلزام موضوعها تنظيم السلوك الاجتماعي وبما أن موضوع القاعدة القانونية هو السلوك الاجتماعي ، وبما أنهذا السلوك محل تغير وتحول ،فإن القاعدة القانونية لا يسعها إلا أن تكون متغيره . وإذا شئنا أن نأخذ مثالا يوضح الفكرة فإننا نستطيع أن نراقب القواعد القانونية من حيث علاقتها بوسائل الاتصال ، فعندما كانت وسائل الاتصال بطيئة كان يثور كثير من النقاش في تحديد الأثر القانوني لالتقاء الارادات عندما لا يكون هناك اتحاد في مكان تبادل الإرادة باعتبار ان الاصل هو اتحاد مجلس العقد ،أما عندما جعلت وسائل الاتصال نقل الارادات بين الأفراد المتباعدين متماثلا مع حال اجتماعهم المادي أصبح الأمر مختلفًا و اصبح النقاش يتركز على مواضيع جديدة ناتجة عن انتشار اساليب التعامل الجديدة .


وكذلك الأمر بالنسبة للضبط الإداري فإن التعامل مع مشكلات النشر في إطار وسائل نشر محدودة الإمكانات مثل الطباعة بالحروف المصفوفة يدويًا يختلف عن التعامل مع النشر بالإنترنت مثلا . وإذا كان طرحنا السابق يوحي بأن القواعد القانونية متحولة متغيرة لأن الأدوات المادية متحوله متغيرة ، فيلزم علينا مع ذلك أن نحد من هذا الطرح قليلا فهناك عنصر ثابت في هذا الموضوع وهو الإنسان ذاته أو فلنقل أنه إلى حد ما ثابت . فلو أخذنا مثالا لتوضيح الفكرة القانون الإداري ذاته ، فإننا نجد موضوعه هو إشباع الحاجات العامة من خلال إنشاء وإدارة المرافق العامة وتحقيق الضبط الإداري ، هذا المفهوم سوف لن يتغير

لمجرد تطور الوسائل المادية التي يستخدمها الإنسان فالقرار الإداري وهو تعبير الإدارة عن إرادتها الملزمة سوف لن يتغير لمجرد أن وسائل نشره تغيرت من إعلانه عن طريق المنادي العام إلى نشره مكتوبًا أو نشره على وسائط وحوامل جديدة . إذا وسائل الاتصال الحديثة ومظاهر التطور التكنولوجي تقود بلا شك إلى أحداث تغير وتطور في المفاهيم القانونية ولكن هذا التغير يجب التعامل معه من خلال الاعتقاد بأن هناك جزء ثابت في الموضوع وهو موضع القاعدة القانونية و مبرر وجودها وهو الإنسان الموجود في إطاره الاجتماعي ، وعندما نتكلم عن الإطار الاجتماعي لا نعني بطبيعة الحال إعلاء الإطار الاجتماعي للإنسان على وجوده كإنسان أيضًا .

وإذا ما انتقلنا من العام الى الخاص وحاولنا أن نناقش العلاقة بين القانون والحكومة الإلكترونية فإنه يلزم علينا أولا أن نحدد مفهوم الحكومة الإلكترونية .وتحديد المفهوم لا يأتي في إطار الترف الفكري المجرد ، ولكن أهميته تنبع من أثر التعريف في تحديد الآثار القانونية ، فكي نحدد الاستحقاقات القانونية المترتبة على تطبيق الحكومة الإلكترونية يجب أن نحدد معناها أولا ، وإذا ما تجاوزنا هذه العقبة نستطيع أن نقرر الآثار القانونية التي تترتب على تطبيقها . وبعد القيام بالخطوتين السابقتين يحسن أن نعرض لدور السلطات العامة في تحقيق هذه الفكرة .

 

الفصل الأول

مفهوم الحكومة الإلكترونية

 

تحديد مفهوم الحكومة الإلكترونية في بلد من البلاد قد يتم لغرض فقهي بحت وقد يتم كمقدمة لتحديد الآثار القانونية للمشروع ، ونحن نعتقد أن تحقيق الهدف الثاني يقتضي منا ليس فقط محاولة تحديد مفهوم الحكومة الإلكترونية كما هو مطروح في الكويت ولكن يستلزم الأمر أيضًا تحديد درجة الاستعانة المطلوبة بوسائل التكنلوجيا الحديثة ونوعية التكنلوجيا المستخدمة لأن ذلك سوف يؤثر على الاستحقاقات القانونية المطلوبة . ولذلك فإننا نعرض للموضوع على النحو التالي :

-       محاولة لتحديد مفهوم الحكومة الإلكترونية .

-       درجة استعمال التكنولوجيا في العمل الإداري .

-       نوع التكنولوجيا المستخدمة .

 

أولا : محاولة تحديد مفهوم الحكومة الإلكترونية : سعة الإمكانات التي تقدمها وسائل الاتصال الحديثة وانتشار تعبير الحكومة الإلكترونية جعلا المصطلح غير محدد الملامح . وحتى عندما طرحت لجنة تنشيط التبادل التجاري الدولي عن طريق وسائل الاتصال الحديثة هذا التعبير ، وهي لجنة تابعة للأمم المتحدة ، فإنها طرحته كفكرة عملية لتحقيق انسيابية أكثر لعملية التجارة الإلكترونية .

باعتبار أن مثل هذا النشاط يجب أن يتم في إطار استخدام حكومي لوسائل الاتصال الحديثة [2]. ذلك أن التجارة الإلكترونية من الصعب تصورها بدون جهزة حكومية إلى جوارها تستخدم وسائل الاتصال الإلكتروني . ولذلك فإن التصور المطروح للحكومة الإلكترونية كان من خلال تحقيق وظائف عملية وهي استخدام وسائل الاتصال الإلكترونية في تسيير علاقة :

. G2B  الحكومة بالنشاط الإقتصادي

. G 2C  الحكومة بالمواطنين

. G 2E  الحكومة بمستخدميها

. G2G  الحكومة بالأجهزة الحكومية الأخرى

والتعريف الغائي من الناحية المنهجية غير منضبط كما أن تعبير الحكومة بحد ذاته يحتاج إلى ضبط [3] . فالحكومة قد ينصرف معناها إلى الكيان أو الكيانات التي تملك سلطة التقرير في المسائل العامة ولعل مثل هذا الفهم يظهر عند تحديد عناصر الدولة وهي الشعب والأقليم والسلطة العامة أو الحكومة . كما أن تعبير الحكومة ينصرفأيضًا للسلطة التنفيذية باعتبار أن الحكومة هي التي تدير السلطة التنفيذية ولذلك فإن رئيس مجلس الوزراء يقدم برنامج الحكومة لمجلس الأمة .

والحكومة تعني أيضًا الإدارة العامة المناط بها إدارة المرافق العامة في الدولة وتحقيق الضبط الإداري وصرف معنى الحكومة في هذا الاتجاه من الممكن اعتباره منطقيًا ذلك أن الإدارة العامة هي الجزء الأكثر ظهورًا في الحياة اليومية مقارنة بالجزء الآخر من السلطة التنفيذية ونعني به الجهاز الذي يقرر إدارة علاقة السلطة التنفيذية بالسلطات الأخرى وبالحكومات الأخرى .

وبالرغم من ترجيحنا لانصراف معنى الحكومة الإلكترونية إلى الإدارة الإلكترونية إلا إننا يجب أن نعترف أننا أمام ترجيح وتغليب ولسنا أمام قطع وجزم ، ويعود السبب في ذلك إلى عدم وجود أدبيات قانونية في الكويت تسمح بصياغة تعريف منضبط . فمجلس الوزراء أصدر قرارًا بإنشاء " الجهاز الفني المركزي لتطبيق التكنلوجيا في الأعمال الحكومية " ونلاحظ هنا أنه يستخدم تعبير الحكومة . أما إذا نظرنا في دفتر الشروط الموجه للداخلين في مسابقة اختيار مستشار لمشروع الحكومة الإلكترونية فإننا نلاحظ أن الانطباع الأولي الذي يمكن أن يخرج به القارئ هو أننا بصدد الكلام عن تحقيق نقله إلى مرحلة المجتمع المستخدم للأدوات ألإلكترونية وإلى انتقال السلطات العامة في هذا الاتجاه ، وبالرغم من هذا الانطباع الأولي فإننا نجد تركيزًا أكثر على فكرة إعداد الأجهزة الإدارية في السلطة التنفيذية للقيام باستخدام منسق لأدوات الاتصال الحديثة للقيام بوظائفها المحددة لها وفق القوانين واللوائح .

ومتى ما اتفقنا على أن المقصود بتعبير الحكومة الإلكترونية هنا هو وضع نظام متجانس من خلاله تقوم الأجهزة الإدارية فى الدولة بالقيام بوظائفها عن طريق استخدام وسائل التكنولوجيا الحديثة ، فإنه يحسن بنا أن نحدد مدى الاستخدام المطلوب ونوعيه التكنولوجيا المستخدمة .

 

ثانيًا : مدى الاستخدام المطلوب : من الممكن أِن تستخدم وسائل التكنولوجيا الحديثة في اتجاهين الأول هو تنظيم عمل الإدارة داخليا أما من خلال استخدام إمكانات التكنلوجيا لإدخال البيانات وتصنيفها لتسهيل التعامل معها ، أو من خلال استخدام برامج دعم القرار . والاتجاه الثاني الذي يمكن أن تستخدم فيه وسائل التكنلوجيا الحديثة وبالذات وسائل الاتصال هو تطوير العلاقة بين الإدارة وجمهور المتعاملين معها ، وفي هذا الإطار يمكن أن تلعب وسائل الاتصال أكثر من دور فمن الممكن أن تستخدم كوسيلة إعلام في اتجاه الجمهور ، من خلالها تنقل الإدارة للجمهور أهدافها وتوضح أسلوب عملها أو حتى تقديم النماذج الإدارية اللازم استيفائها من قبل الجمهور مع تحديد أسلوب التعامل مع هذه النماذج . ويمكن أن تستخدم هذه التكنلوجيا لأداء وظيفة أكثر تقدمًا من خلال الاستخدام المتبادل في اتجاهين ، الإدارة في اتجاه الجمهور والجمهور في اتجاه الإدارة ، وفي هذه الحالة يمكن للإدارة أن تقوم بأداء الخدمات مباشرة للجمهور عن طريق وسائل الاتصال الحديثة كليًا أو جزئيًا . فهنا يقوم المتعامل مع الإدارة بتقديم طلبة الفردي ، ومن جانبها تصدر الإدارة قرارًا فرديًا خاصًا بالطلب ، وتقوم بإعلام مقدم الطلب بقرارها عن طريق وسائل الاتصال الحديثة[4]. وأهمية التفرقة بين الفرضيات المطروحة من الناحية القانونية جلية ، ففي فرضية الاستخدام الداخلي من قبل الإدارة لا تثور إلا مشكله حماية الحياة الخاصة وبالذات عندما تتبادل الإدارات الحكومية المعلومات الخاصة بالأفراد ، أما عن برامج دعم القرار فهى لا تثير مشكلة قانونية إلا إذا اعتبرناها من الأعمال التحضيرية للقرار الإداري . أما بالنسبة للاستخدام الآخر لوسائل الاتصال الحديثة ونعني بذلك العلاقة بين جمهور المتعاملين والإدارة فإننا في الواقع أمام فرضيتين ؛ فرضية الاستخدام لمجرد الإعلام ، سواء كان إعلامًا بناء على مبادرة الإدارة فقط أو إعلام بناء على طلب مقدم من الأفراد ، فلا توجد استحقاقات كثيرة فلسنا بصدد قرار إدارى ولسنا بصدد بيانات فردية فلا تثور مشكلة إلا في حالة تقديم الإدارة لمعلومات غير دقيقة ، فهنا من المتصور إثارة قواعد مسؤلية الإدارة .

 أما إذا انتقلنا إلى الاستخدام الذي من خلاله يتقدم الأفراد بطلبات فردية وتصدر الإدارة قرارها إزاء هذه الطلبات فإننا نكون أمام عدد من المشكلات يلزم أن نوجد لها حلا ، فهناك مسالة التيقن من نسبة الإرادة إلى شخص محدد وهو الشخص المقدم للطلب وكذلك الأمر بالنسبة للإدارة أي التيقن من أن التعبير الصادر عن الإدارة صادر عنها بالفعل ، وصادر عن الموظف المختص وفق القانون بالتعبير عن إرادة الإدارة ، إذًا نحن أمام حاجة لتنظيم التوقيع الالكتروني . ومن جهة أخرى يلزم أن نحمي تبادل الإرادات من تطفل المتطفلين وهنا تثور مشكلة الأمن في استخدام شبكات المعلومات وتثور مشكلة حماية الحياة الخاصة.

 

ثالثًا : نوعية التكنلوجيا المستخدمة : وسائل التكنلوجيا الممكن استخدامها من قبل الأجهزة الإدارية في سبيل القيام بعملها متعددة ، فيمكن استخدام شبكة الإنترنت العامة كما يمكن استخدام الشبكة المقفلة أو نظام الرسائل النصية أو نظام البطاقات الذكية أو بطاقات الدفع المسبق محددة القيمة [5]. وبالتأكيد فإن الاحتياجات القانونية ليست متماثلة في هذه الفرضيات . فنظام البطاقة الذكية يحتوي بذاته على وسائل تعريف المستخدم وبالتالي فإن موضوع التوقيع الإلكتروني يصبح أقل الحاحًا . واستخدام نظام الشبكات المقفله يقلل إلى حد كبير من احتياجات الحماية من الاختراق والتطفل وبالتالي يقلل الحاجة للتشفير . طبعًا تتباين الإمكانات الفنية لكل وسيلة من وسائل التكنلوجيا السابقة وبالتالي تختلف مبررات استخدامها عن الأخرى .

وبعد أن حددنا مفهومًا للحكومة الإلكترونية يحسن بنا أن نتلمس الآثار القانونية المترتبة على هذا النمط من التعامل .

 

الفصل الثاني

الآثار القانونية لتطبيق الحكومة الإلكترونية

 

 عندما نتكلم عن الآثار القانونية لتطبيق الحكومة الإلكترونية لا يجب أن يغيب عن ذهننا أن لجوء الإدارات الحكومية لتبني تكنلوجيا الإتصالات في تسيير أعمالها لم يبدأ منفردًا مستقلا عن اتجاه المجتمع لتبنى هذه الأدوات في تسير أعماله ، بل انه من الناحية الفعلية كانت الدعوة لتبني الحكومة الإلكترونية قد طرحت لتسهيل الاستخدامات الإلكترونية في مجالات أخرى وبالذات في مجال التبادل التجاري الدولي .

إذًا تطبيق الحكومة الإلكترونية بالمعنى الذي طرحناه قد أتى لاحقًا على حل كثير من المسائل القانونية الأولية مثل التوقيع الإلكتروني والتعامل مع الجرائم التي تتم باستخدام وسائل الاتصال الحديثة والنقود الإلكترونية . من المنطقي في هذه الحالة أن تكون الحاجة لإعادة النظر في القواعد القانونية بمناسبة تطبيق الحكومة الإلكترونية محدودة ولذلك فإن المستشارة في مجلس الدولة الفرنسي Isabelle Falque – Pierrvotin تقرر بأن استخدام وسائل الاتصال الحديثة في تسير أعمال الإدارة لا يحتاج إلا لبعض الترتيبات القليلة [6]Un toilettage des textes    ولكن مثل هذا التحليل لا يمكن القول به في بلد يعتبر
محيطة القانوني بكرًا في هذا المجال ن فموضوع التبادل التجاري الإلكتروني يعتبر مجرد مشروع [7] لا يتمتع بأولوية حقيقية أما التعامل مع الجرائم المرتكبة عن طريق وسائل الاتصال الحديثة فلا يزال في طور المطالبات من قبل القانونين . إذًا نحن نعتقد أن مشروع الحكومة الإلكترونية هو المناسبة لتحريك الساحة القانونية في هذا المجال وهو بهذا المعنى سيكون الحجر الملقى في البحيرة الراكدة، سيخلق ارتطام الحجر عدد من الدوائر المتعاقبة ، أول الدوائر التي تظهر عند ارتطام الحجر هي القانون الإداري ثم ستظهر دوائر أخرى مثل القانون الجنائي وقواعد الإثبات في إطار الإدارة أو في إطار القضاء . وقبل أن نسترسل في عرض هذه القواعد من حيث تأثرها يجب أن تقدم التوضيحات التالية :

 إن هناك قواعد قانونية وثيقة الصلة بموضوع استخدام الإدارة لوسائل الاتصال الحديثة مثل شكل القرار الإدارى أو قواعد الاختصاص ، لا يتأتى تفعيل الإدارة الإلكترونية بدون حسمها .

 وهناك مواضيع مهمة لمجمل استخدام وسائل الاتصال الإلكتروني سواء في إطار القانون الخاص أو العام مثل التعامل مع الجرائم التي ترتكب بواسطة وسائل التكنلوجيا الحديثة والتعريف والتوقيع الالكتروني ، وهذه التعديلات القانونية مهمة في مجال الحكومة الإلكترونية كما هي مهمة في مجال التعامل بين الأفراد .  هناك مسائل يعتبر وجود الحكومة الإلكترونية مهمًا لتحققها كما أن وجودها دافع لتحقيق الحكومة الإلكترونية ومثال ذلك التجارة الإلكترونية . ذلك أن الضبط الإداري العام أو الخاص الذي تمارسه الإدارة العامة في المجال الإقتصادي والتجاري لا يمكن تفعيله ما لم تتكيف الإدارة مع استخدام وسائل الاتصال الحديثة . وفي المقابل لا يمكن للتبادل التجاري بالوسائل الإلكترونية أن يكون ناجحًا بدون إدارة الكترونية تسير إلى جواره . وإذا عدنا إلى مثالنا الذي سقناه للتوضيح ونعني بذلك الدوائر المترتبة على سقوط الحجر في الماء ( وهذا مثال للتوضيح وليس تحليلا علميًا منضبطًا ) فإننا يمكن أن نذكر عددًا من الموضوعات التي من المنطقي أن يلحق بها تغيير نتيجة تفعيل الحكومة الإلكترونية :

-       القانون الإداري .

-       الإلتزام بمحو الأميه ومبدأ المساواه .

-       حماية الحياة الخاصة .

-       التوقيع الإلكتروني .

-       الانتخابات .

-       القانون الجنائي .

-       النقود الإلكترونية .

 

أولا : القانون الإداري : يعالج القانون الإداري تنظيم الإدارة العامة سواء كانت مركزية أو كانت لامركزيه ويعرض لنشاط الإدارة من حيث وسائل ممارسة النشاط أو من حيث الأسلوب الذي تتبعه لممارسة ما يناط بها من مهام ، وكذلك يتعامل القانون الإداري مع أساليب الرقابة على عمل الإدارة أما بواسطة القضاء وهو الباب الأهم أو بواسطة الأساليب غير القضائيه ، ثم هو يدرس قواعد مسؤلية الإدارة عن عملها . من خلال العرض السابق نستطيع أن نتوقع أن هذا القانون هو المدخل الإلزامي للتعامل مع الحكومة الإلكترونية بالمفهوم الذي قلنا به . وإذا ما استعدنا حقيقه المقصود بالحكومه الإلكترونيه ، وهو استعمال وسائل التكنلوجيا الحديثه من قبل الإدارة العامة للقيام بوظائفها ، نستطيع أن نوجه توقعاتنا لمواضع التحول المنتظرة . فاستخدام وسائل التكنولوجيا سوف لن يغير مفهوم الإدارة العامة من حيث كونها جهازًا تنفيذيا ينشأ للقيام بوظائف محدده ، ولكنه بالتأكيد سوف يقود لتغيير في ادوات الإدارة في القيام بوظائفها . ونحن نعتقد انه  من المهم جدًا ، وقبل أن نحاول تصور التغير المتوقع في الأدوات ، أن نجيب على السؤال التالي؛ ما الغرض المنشود من استخدام الإدارة العامه لوسائل الإتصال الحديثة ؟

 

1  الهدف من استخدام وسائل الإتصال الحديثه : من المتصور ان يكون الغرض من استخدام وسائل الإتصال الحديثه من قبل الإدارة هو زياده كفاءتها ، فتصبح وهي مسلحه بهذه الأدوات  أكثر قدرة على التعامل مع المعلومات التي تمتلكها ، كما أن قدرة الإدارة العليا على متابعة سير الإدارة تصبح اكبر ، وإلى جانب هذا الهدف من الممكن أن يكون الحافز الأهم هو تحسين علاقة الإدارة بجمهور المتعاملين ، فتسمح هذه الأدوات بتقديم الخدمة بشكل أسرع واقل تكلفة كما أن هذه الأدوات تحقق شفافية أعلى في عمل الإدارة . وفي الواقع انتخاب الهدف الثاني ، وهو تحسين علاقة الإدارة بالجمهور ، يقتضي إعادة النظر في بعض المسلمات القانونية التي يقوم عليها قانوننا الإداري ، كما يقتضي أيضًا إعادة النظر في أسلوب تقديم الخدمة لجمهور المتعاملين .

أ - المبادئ القانونية : إذا نظرنا في قانوننا الإداري فإننا نجد أنه يتبنى عدد من القواعد القانونيه التي لا تتسق مع فكرة شفافية الإدارة أو تحسين علاقتها بالجمهور :-

-    القرار الإداري الأصل فيه عدم التسبيب ، فالإدارة غير ملزمه بالإفصاح حيال المتعامل معها عن أسباب قرارها حتى لو كان القرار برفض طلبه . الأصل في الوثائق الإدارية سريتها ، ونلاحظ أن السريه هنا غير مرتبطة بالضرورة باعتبارات من نوع حماية الحياة الخاصة ، بل هى تمتد حتى للوثائق غير ذات الطابع الشخصي ، فتعميمات الإدارة ، حتى لو تضمنت تفسيرها للقانون واجب التطبيق ، الأصل فيها أنها للاستعمال الداخلي .

-    سبل الاعتراض على قرارات الإدارة سواء أمام القضاء الإداري أو أمام الجهات غير ذات الطابع القضائي تحتاج إلى تيسير أكثر ، فقانون إنشاء الدائرة 1981 ) حتى بعد التعديلات المهمة التي أجريت عليه بالقانون رقم / الإدارية ( 2. 1982/61 لا يزال يتضمن كثيرًا من المواضيع المحجوبة عن رقابه القضاء .

 

بالتأكيد فإن اتجاه الإدارة لاستعمال وسائل الاتصال الحديثة بغرض تحسين علاقتها بجمهور المتعاملين يصبح غير منطقي في ضل هذا الواقع القانوني ، وبالتالي تحقيق الغرض من استخدام الأدوات الإلكترونية يقتضي تعديل مثل هذا الوضع . ونلاحظ أن بعض الفقه الإداري [8]  عندما يطرح استخدام وسائل التكنولوجيا الحديثة في إصلاح العمل الإداري فإنه يبحث الموضوع من خلال مقدمات مثل الديمقراطية الإدارية وحق المتعاملين مع الإدارة في فهم تصرفاتها .

ب - الإجراءات الإدارية : يلاحظ المتعامل مع جهات الإدارة أن الإجراءات الإدارية اللازمة للتعامل مع الطلبات المقدمة تتسم بالتعدد وهذا ينعكس بالضرورة لى سلاسه أسلوب تقديم الخدمة وعلى الوقت اللازمة لأدائها ، وكثير من هذه الإجراءات لا يرتبط بهدف واضح وبالتالي يمكن الاستغناء عنه . وبالتأكيد فإن التمسك بأسلوب العمل القائم سوف يقلل من الفوائد المحتملة لاستخدام الإدارة لوسائل الإتصال الحديثة . ومما سبق اتضح لنا أن تحديد الهدف من استخدام وسائل الاتصال الحديثة في العمل الإداري من الممكن أن يحدد اتجاه التعديلات المتصورة في القانون الإداري . وإلى جانب ما سبق يمكن أن نتصور آثار قانونيه أخرى عند استخدام الإدارة لوسائل الاتصال الحديثة فى تسيير أعمالها .

2  أدوات الإدارة ووسائلها : كي تنهض الإدارة بالأعباء المكلفة بها في قد تقوم بأعمال مادية أحيانًا ولكنها في غالب الحال تصدر قرارات إدارية أو تبرم عقودًا إدارية خالى اي حد سوف تتأثر هذه الآليات باستخدام الإدارة لوسائل الاتصال الحديثه .

أ - القرار الإداري : القرار الإداري هو تعبير الإدارة عن إرادتها الملزمة على نحو يرتب أثارًا قانونية . وهناك عناصر في القرار الإدارى من غير المتصور تأثرها باستخدام وسائل الاتصال الحديثه ، وهي المحل والسبب والغايه ولكن التأثير من المتصور ان يصيب عناصر أخرى وهي الشكل والاختصاص وبالإضافة لذلك فإن نشر القرار عن طريق وسائل الاتصال الحديثة يحتاج لوقفة أيضًا .

-   الشكل : لم يحدد القانون شكلا معينًا للقرار الإداري أو إجراءات معينه تسبق صدوره ، فالأصل فيه عدم تحديد الشكل الذي يظهر فيه فقد يكون شفهيًا وقد يكون مكتوبًا . ومع ذلك فإن الغالب في القرارات الإدارية ان تصدر مكتوبه ذلك أن هذا الشكل يضمن وضوح القرار الإداري ، ذلك أن الكتابة تسمح بتحديد المختص عن صدور القرار من خلال توقيعه عليه كما تسمح بتحديد تاريخ نفاذ القرار . والكتابة عندما نحللها نجد أنها رموز مادية تعارف الناس على تحديد معنى لها متفق عليها بينهم ، وهذه الرموز تثبت على حامل ، قد يكون هذا الحامل هو الورق كما من الممكن أن يكون غير ذلك . إذ أن مصطلح الكتابة لا يرتبط بالأداه التي تحدث الكتابة ، ولذلك فإن الكتابة قد تكون يخط اليد وقد تكون نتاج آلات كما هي المطبعة . ومع ذلك فإن الكتابة يجب أن تكون مثبتة على حامل يمكن الإطلاع عليه اكثر من مره ، وهو ما يسمح بقراءة الكتابة مرات ومرات . وإذا ما نظرنا في التحليل السابق فإننا نجد العناصر المقرره لوجود الكتابة متواافره في فرضيه استخدام وسائل الإتصال الحديثة فهي تنتج الأشكال المتعارف عليها ، وهي تشكل حاملا يمكن استخدامه للإطلاع على تلك الأشكال لمرات متعددة . إذا في ظل عدم وجود تحديد تشريعي لوسيلة إحداث الكتابة أو تحديد لنوع الحامل فلا حرج من استخدام وسائل الإتصال الحديثة ، كل ما في الأمر أننا سنكون أمام مسألة ملائمة من حيث إمكان الوثوق بهذا الحامل من حيث صموده أمام عناصر التأثير أم لا ، ولذلك بعض الإدارات القانونية تشترط الاحتفاظ  بنسخه ورقيه من النصوص والوثائق القانونية إلى جوار النسخ الموجودة على الحامل الإلكتروني .

-   الاختصاص : من أركان القرار الإداري أن يصدر عن جهة الإدارة المختصة وعن الموظف المختص ومخالفة هذا الركن قد ينتج عنها بطلان القرار أو حتى انعدامه . واستخدام وسائل الاتصال الحديثة من المتصور أن يثير مشكلة الاختصاص فمثلا نظام البوابه الإلكترونية للدولة إذا ما استخدم للتعامل مع  الطلبات الفردية المقدمه من المتعاملين مع الإدارة لغرض يتجاوز مجرد تقديم المعلومات والتوجيهات فإننا سنكون أمام قرارات إدارية فردية ، فهل يمكن نقل اختصاصات إدارات متعددة لجهة واحدة ؟ وكذلك بالنسبة لمن يعبر عن إرادة الإدارة بالنسبة للطلبات المقدمة عبر وسائل الإتصال الحديثة ، هل يحال كل طلب إلى الموظف المختص مكانيًا ( محافظات متعدده أو مناطق إدارية متعددة ) أم يتعامل موظف واحد مع هذه الطلبات ؟ نحن نعتقد ان طبيعة وسائل الإتصال الحديثة وفكرة تحسين علاقة الإدارة بالجمهور وفكرة تبسيط الإجراءات الإدارية تقتضي إعادة النظر في قواعد الاختصاص . وهنا يجب أن ننتبه إلى أن بعض قواعد توزيع الاختصاص مقرره في القانون كما هو الحال بالنسبة لاختصاصات المؤسسات العامة المنشأة بقانون ، وهناك قواعد اختصاص مقرره بمرسوم كما هو الحال بالنسبة لاختصاص الوزارات كوحدات إدارية تتعامل مع مرافق معينه ، وهناك قواعد اختصاص مقرره بقرارات وزارية أو بقرارات أدنى من ذلك كما هو الحال في قواعد الاختصاص في وزاره محددة أو إدارة محدده ، إذًا عند التعامل مع موضوع الاختصاص يجب استخدام آداه موازية للقاعدة التي قررت الاختصاص .

النشر : من المنطقي أن يرتبط الإلزام في القرار الإداري بعلم المخاطبين به علمًا يقينًا أو على الأقل علمًا مفترضًا . ونلاحظ في هذا الموضع أن الفقه والقضاء يفرقان بين القرارات التنظيمية والقرارات الفردية . فالقرارات التنظيمية يخاطب بها عدد غير محدد من الأفراد ولذلك فإن نشرها في وسائل الإعلام العامة يكفي كي ترتب أثرها . وفي هذا الصدد نعتقد أن هناك عرفًا مستقرًا يربط بين نشر المراسيم والقرارات الوزارية في الجريدة الرسمية وبين الزاميتها . وإذا ما بحثنا في النصوص القانونية عن تعريف للنشر والجريدة أو الصحيفة ، فإننا نجد أن قانون المطبوعات والنشر رقم 3/2006 لا يشترط شكلا معينًا للحامل الذى يتم من خلاله النشر فوفق المادة الثانية من هذا القانون  في تطبيق أحكام هذا القانون بقصد بالمصطلحات التالية المعنى الوارد قرين كل منها ::

المطبوع: كل كتابة أو رسم أو صورة أو قول سواء كان مجرداً أو مصاحباً لموسيقى أو غير ذلك من وسائل التعبير متى كانت مدونة على دعامة، بالوسائل التقليدية أو أي وسيلة أخرى أو محفوظة بأوعية حافظة أو ممغنطة أو الكترونية أو غيرها من الحافظات معدة للتداول بمقابل أو بغير مقابل.

الطابع: الشخص الطبيعي أو الاعتباري الذي يقوم بنفسه أو بواسطة غيره بنسخ المطبوعات بواسطة الآلات أو الأجهزة التي يستخدمها لهذا الغرض.

الصحيفة: كل جريدة أو مجلة أو أي مطبوع آخر يصدر باسم واحد بصفة دورية في مواعيد منتظمة أو غير منتظمة ولو كان مجرد ترجمة أو نقل عن مطبوعات أخرى.ورود التعريف في قانون المطبوعات و النشر لا ينفي منطقية تعميمه كي يشمل المفهوم العم للطباعة و النشر . إذًا ليس في القانون ما يمنع من نشر الجريدة الرسمية من خلال وسائل الإتصال الحديثة . أما عن القرار الفردي فإن مسالة علم الأفراد به ليس لها شكل محدد وهي مسألة قابلة للإثبات أمام القضاء ، ولا يوجد ما يمنع في المبادئ العامة للقانون من اعتبار وسائل الإتصال الحديثة وسيلة للإخطار ضمن ضوابط معينة مثل ثبوت تقديم الطلب من قبل الأفراد على الانترنت أو تقريرهم عند تقديم الطلب بإمكان استلام الرد بواسطة شبكة المعلومات العامة مثلا .

ومع أننا لا نجد ما يمنع قانونًا ، كما عرضنا لذلك ، من الاعتداد بوسائل الاتصال الحديثة كوسائل للنشر والتبليغ إلا أننا نعتقد أن الملائمة تقتضي استخدام هذه الوسائل بشكل متوازي مع الوسائل التقليدية ، ذلك أن خبرة الإدارة في هذا المجال ومدى انتشار هذه الوسائل بين المواطنين وفاعليه الشبكات العاملة في الوقت الراهن لا تسمح بتبني هذه الوسائل كأسلوب حصري .

ب - العقد الإداري : تلجئ الإدارة إلى القيام بالمهام المنوطة بها بنفسها عن طريق موظفيها وأدواتها المادية ، كما قد تلجئ لإسلوب التعاقد مع اطراف أخرى للقيام ببعض المهام التي تقرر لسبب أو لآخر أنه من المصلحة أن يقوم بها طرف آخر . وأسلوب العقد الإداري يأخذ أهمية إضافية في ظل الإتجاه المتزايد نحو الخصخصة وبالذات خصخصة إنشاء وإدارة المرافق العامة . ومن غير المتصور أن تتأثر فكرة التعاقد ذاتها باستخدام وسائل الاتصال الحديثة من قبل الإدارة ، ولكن إجراءات التعاقد التي نص عليها القانون رقم 37/1964 في شأن المناقصات  العامة من المتصور أن توجد الحاجة لإعادة فحصها في حال استخدام وسائل الاتصال الحديثة ، فالإعلان عن المناقصات ودفاتر الشروط لا تثير كثيرًا من المشاكل القانونية من حيث استخدام وسال الاتصال الحديثة في نشرها . ولكن يلزم مثلا وضع ضبط تشريعي لفكرة المواعيد المحددة لتقديم العطاء ، فالمواعيد تحسب على أساس نهاية الدوام الرسمي وذلك لإمكان تسليمها للإدارة ولكن مثل هذه الفكرة لا تعود منطقية عندما يكون إرسال وثائق المناقصة غير مربط بفكرة  التسليم المادي في مقر الإدارة . وإلى جانب موضوع المواعيد هناك فكرة السرية التي تقتضي ورود العطاءات في مظاريف مغلقة ، وهذا يعني أن وسائل الاتصال الحديثة يجب أن تقدم ضمانه في أن ما يرسله المناقصون من عطاءات غير قابل للإطلاع عليه لا من المناقصين الآخرين ، ولا من قبل جهة الإدارة ، إلى حين حلول ميعاد فحصت العطاءات المقدمة . وإلى جانب هذه المسائل يلزم حسم موضوع نسبة التعبير إلى مصدره ، وموضوع التوقيع الإلكتروني ، وفي هذا الصدد نعلم بأن وسائل التكنولجيا تقدم حلول وهي حلول مطبقة ولكن يلزم وجود تدخل تشريعي لاختيار الحل الأكثر ضمانًا لسلامة المعاملات . وفقًا للعرض السابق نستطيع أن نقرر انه في مجال القانون الإداري من المنتظر ظهور بعض العقبات القانونية ولكنها في نهاية المطاف لا تشكل عقبات خطيرة جدًا وكثير منها يمكن التعامل معها من خلال تدخل تشريعي بسيط ، ولكن أهم ما يلزم أخذه في الاعتبار أن يكون هناك قرار واضح في الأهداف فوضوح الأهداف يجعل الحلول أكثر منطقية وفاعلية .

 

ثانيًا : مفهوم محو الأمية ومبدأ المساواة : هناك علاقة بين التوجه لإستخدام وسائل التكنولجيا في أعمال الإدارة الحكومية ومفهوم محو الأمية ومبدأ المساواة . وكي ندرك هذه العلاقة يجب أن نوضح في البداية العلاقة بين مفهوم محو الأمية ومبدأ المساواة ثم من بعد ذلك نطرح تصورنا لأثر تبني الحكومة الإلكترونية على ذلك .

 

1 - العلاقة بين مفهوم محو الأمية ومبدأ المساواة : المساواة قد تكون أمام القانون وقد تكون بالقانون . ونعني بالمساواة بالقانون التزام الدولة بالتدخل لتحقيق سبل المساواة الفعلية بين الأفراد ذلك أن تحقيق المساواة الفعلية أمر مستحيل ، لتباين الناس في استعداداتهم وقدراتهم الفردية . وإذا كان تحقيق المساواة بالقانون أو تحقيق سبل المساواة مما يدخل في إطار الالتزامات الدستورية ذات الطابع التوجيهي ، مما يعني أنها خطاب للمشرع وللسلطة التنفيذية ببذل الجهد لتحقيق النتيجة دون ربط ذلك بتحديد قانوني يسمح   بإجراء رقابة قضائية على دستورية تصرفات السلطات العامة ( التشريعية والتنفيذية ) ، إلا أن بعض أدوات المساواة الفعلية قد قرر المشرع الدستوري تحويلها إلى التزامات دستورية دقيقه جدًا ذات اثر قابل للرقابة القضائيه ، ومن ضمن هذه الالتزامات توفير التعليم في مراحله الأولى للمواطنين بشكل الزامي ومجاني وكذلك التزام الدولة بمحو الأمية ( م 40من الدستور ) . وهذا المسلك من قبل المشرع الدستوري ناجم عن تقريره أن التعليم عنصر أساسي من عناصر المساواة الفعلية بين الأفراد لا يجوز تركه لتقدير السلطات العامة . والتعليم كما ورد في الدستور يجب فهمه بأنه المهارات والمعارف اللازمة للإنسان كي يستطيع أن يتعايش مع مجتمعه وكي يستطيع أن يمتلك مفاتيح القدرة على ترتيب أموره.

وبالتأكيد فإن ما يجعل مجموعة من المعارف مما يدخل في باب التعليم الإلزامي هو وصفها بأنها ضرورية أو تشكل الحد الأدنى اللازم للتعامل مع الإدارة العامة في الدولة .

2 - أثر تبني الحكومة الإلكترونية على مفهوم محو الأمية : إذا كان استعمال وسائل الاتصال الحديثة أمر مطلوبًا ومستحسنًا فإن اتقان أفراد المجتمع لاستخدامها يغدو أمر مطلوبًا ، ويصبح مما يدخل في باب حسن التخطيط أن تبذل الدولة الجهد في توفير هذا النوع من التعليم لأفراد المجتمع ، ولكن عندما تقرر الدولة استخدام وسائل التكنولجيا في تسير أعمال الإدارة الحكومية وبالذات عندما نكون أمام استخدام حصري لهذه الأدوات أي ليس أمام المتعامل مع الإدارة إلا استخدام هذه الأدوات حين إذ تصبح مهارات التعامل مع وسائل التكنولجيا المستخدمة في الإدارات الحكومية مما يدخل ، وفق المنطق القانوني ، في إطار التعليم الإلزامي ومحو الأمية المحدد في المادة 40 من الدستور الكويتي .

 

ثالثًا : حماية الحياة الخاصة : لا يتضمن الدستور الكويتي نظرية عامة في مجال حماية الحياة الخاصة ولكنه يتضمن تطبيقات متفرقة أبرزها ما ورد في المواد 38 و 39 من الدستور في شأن حرمة المسكن وسرية المراسلات ، ومع ذلك فإن القاضي الدستوري فى الكويت ، بمناسبة ممارسة للاختصاص التفسيري  للدستور ، قد أنشأ مبدأ عامًا وهو في ذلك يعتبر أن حرمة الحياة الخاصة تجد سندها العام في كفالة الحرية الشخصية المقرر في المادة 30 من الدستور . وقد قررت المحكمة الدستورية هذا المبدأ في ثلاث قرارات تفسيرية وهي القرارات 1/ 1982 و 2و 3 / 1986 علما بان هذه القرارات التفسيرية اتت على خلفية البحث في ضوابط ممارسة الاختصاص الرقابي للبرلمان على اعمال الحكومة .

موضوع حماية الحياة الخاصة في مواجهة تعدي الافراد الاخرين او الادارة الحكومية  لا نجد فيه تنظيمًا تشريعيًا واضحًا باستثناء ماورد في المواد من 17 الى 20 من القانون 32/1982 في شأن نظام المعلومات المدنية و يمكن أن نلاحظ بالنسبة لهذا القانون ما يلي :

1   بالرغم من تفرقة المشرع بين الواقعات المدنية والبيانات الفردية إلا انه لم يرتب أثر واضحًا على هذه التفرقة بالنسبة لحماية الحياة الخاصة .

2      مما يحمد للمشرع أنه انتبه لموضوع حماية الحياة الخاصة ولكنه مع ذلك جعل متابعة الموضوع بيد الإدارة فقط دونما رقابة من جهة أخرى . وموضوع حماية الحياة الخاصة في مواجهة الإدارة موضوع مهم خاصة وأن الأفراد ملزمين بتقديم المعلومات الخاصة بهم لجهات الإدارة ، وتزداد أهمية الموضوع مع تزايد استخدام الإدارة لوسائل التكنلوجيا الحديثة . وفي ظل مشروع الحكومة الإلكترونية فإن الموضوع يصبح أكثر إلحاحًا ذلك أنه من ضمن التصورات الموجود إمكانية تبادل المعلومات المخزنة لدى الجهات الإدارية في ما بينها .

وإذا ما نظرنا في القانون المقارن بالنسبة لحماية الحياة الخاصة فإننا نجد أن هذا الموضوع قد حضي بتنظيم تشريعي في كثير من البلاد [9]  فإذا اخذنا فرنسا  كمثال فإننا نجد أن أول قانون عام في هذا الموضوع قد صدر سنة 1978 وسمي قانون المعلوماتية والحرية . ووفق هذا القانون ينشأ جهاز يدار من قبل اللجنة والقانون يضمن لهذا الجهاز الحيادية CNIL الوطنية للمعلوماتية والحرية والإستقلال ويتكون مجلس إدارته من عدد من المختصين بينهم قاضي من مجلس  الدولة وقاضي من محكمة التمييز وقاضي من محكمة المحاسبات . وتلتزم الإدارة بطلب وجهة نظره في أسلوب التعامل بالمعلومات بما يحقق أكبر قدر من الحماية للمعلومات الإسمية . والمجلس يملك عدد من الأدوات القانونية لتفعيل دوره . والتوجه في فرنسا هو المحافظة على هذه الآلية عند تطبيق مشروع الإدارة الإلكترونية مع إجراء التعديلات اللازمة . وإلى جوار هذا النمط توجد دعوات في الولايات المتحدة الأمريكية لنقل عبئ تحقيق هذا الهدف لصائغي برامج الكمبيوتر من خلال التزامهم بتحقيق المتطلبات القانونية لحماية الحياة الخاصة في البرامج المقرر استخدامها في هذا المجال [10]. وأبا ماكان النمط الذي سيتم اختياره في الكويت فإنه من اللازم صدور تشريع في هذا المجال .

 

رابعًا : التعريف والتوقيع الإلكتروني : إذا ما تركنا جانبًا القدرة الهائلة التي تمتلكها وسائل الاتصال الحديثة في تخزين المعلومات واسترجاعها ، فإنها تقوم بوظيفة نقل الإرادات بين الأطراف . وكي يمكن ترتيب اثر على تلافي الإرادات يلزم أولا ان تستطيع أن ننسب كل إرادة لمصدرها . وقد كان تحقق هذا الأمر سهل نسبيًا فهناك في الغالب علاقة شخصية محسوسة بين اداة نقل الإرادة والإنسان ، فالبصمة والتوقيع والكتابة اليدوية ترتبط بإنسان محدد ، وتوجد وسائل فنية , في  حال الإنكار ، يمكن استخدامها للتأكد من صحة نسبة الإرادة لإنسان محدد . أما في مجال استخدام وسائل الاتصال الحديثة فإن الأمر أصبح أكثر تعقيدًا ، فمن جانب زالت العلاقة الحسية بين أداة التعبير عن الإرادة ومصدر الإرادة ومن جانب آخر فإن مخاطر انتهاك وسائل الاتصال الحديثة من قبل الغير أصبحت أكثر تعقيدًا . أمام هذا الواقع ظهرت الحاجة لضبط المسائل التالية :

1  التعرف : يجب أن أعرف مسبقًا مع من أتخاطب أي يجب أن يوجد عنوان الكتروني محدد كي اطمئن على مصير الرسالة .

2  التحقق من الشخصية : تحديد وسيلة للتأكد من أن موجه الخطاب هو شخص محدد ينسب له مضمون الخطاب ، والتحقق من الشخصية قد يتم من خلال أداة أو رمز متفق عليه بين الطرفين وقد يكون من خلال اداة تسمح بتحديد الشخص بشكل عام .

3  تأكيد نسبة الإرادة ( التوقيع ) : وهي وسيلة من خلالها يؤكد مرسل الخطاب بأن ما ورد في الخطاب يعبر عن إرادته وهو مسؤل عنه . ونلاحظ أنه بالنسبة لهذه الوظيفة كما الأمر بالنسبة لسابقتها ، فإننا قد نكون أمام طرف ثالث يؤكد أن هذا التوقيع خاص بهذا الشخص ، وهي آلية يدفع لها طبيعة الاتصال الإلكتروني الذي يخلو من العلاقة بالحسية بين آداة التعبير والإنسان مصدر التعبير . ومثل هذه الآليه موجود إلى حد ما حتى في التوقيع الحسي ، من خلال ما يسمى باعتماد التوقيع .

4  حماية تبادل الإرادة والحل الأكثر انتشارًا في هذا الصدد هو تسفير الرسالة