تعليق على حكم بطلان مجلس 2012 الأول

الأبحاث المنشورة

عدد القراءات: 2954


أكد الخبير الدستوري وأستاذ القانون العام في كلية الحقوق بجامعة الكويت د. محمد الفيلي أن المحكمة الدستورية أشارت بأكثر من حكم لها إلى أن الانتخاب هو وسيلة المواطنين في السيادة المقررة بالمادة 6 من الدستور، لافتا إلى أن بحث المحكمة الدستورية لكل ما يشوب العملية الانتخابية أمر منطقي.
وقال الفيلي في دراسة قانونية خص بها «الجريدة» بعنوان، الانتخابات بين المشروعية ونتائج الفرز، إن المحكمة الدستورية في حكمها الأخير راقبت الإجراءات التي اشترط الدستور توافرها بمرسوم حل المجلس دون أن تدخل بأسبابه ودوافعه، مضيفا انه كان من المستحسن من المحكمة أن تطلب إدخال النواب الفائزين في الخصومة القائمة، إلا انها اعتبرت أن سبب البطلان ليس له صلة بزيد أو عمرو من الناجحين واكتفت باختصام رئيس المجلس بصفته لكونه يمثل كل الأعضاء. وفي مايلي نص الدراسة:

 


 

أجريت الانتخابات السابقة لمجلس الأمة بتاريخ 2/2/2012، على اساس انتهاء الفصل التشريعي السابق نتيجة صدور مرسوم بحله، وهو المرسوم رقم 443 بتاريخ 6/12/2011.
وقد تم رفع هذا المرسوم الى سمو الأمير من رئيس مجلس الوزراء المكلف بتشكيل الحكومة ولم يكن بعد قد شكلها، أما المجلس الذي اجرى المداولات السابقة على صدور المرسوم والمشار لها في المادة 128 من الدستور فقد كان مجلس الوزراء المكلف بتصريف العاجل من الامور وهو مجلس يرأسه رئيس مجلس الوزراء المستقيل. و قد اثار هذا الوضع انتقادات عدد من المشتغلين بالمسائل الدستورية. ومن بعد ذلك قام رئيس مجلس الوزراء المكلف بتشكيل حكومته وبعد اداء الحكومة لليمين على النحو المقرر في المادة 126 من الدستور صدر المرسوم رقم 447/2011 بدعوة الناخبين للانتخاب . و كان الرأي الذي يميل له الكاتب في شأن التعامل مع الموضوع بأن الحل الاسلم هو سحب مرسوم الحل المعيب واصدار آخر لا تشوبه العيوب التي شابت المرسوم الاول، ومع ذلك فإن نظرية اعمال السيادة التي يأخذ بها القضاء تحجب عنه الاختصاص بنظر مرسوم الحل ما لم نكن امام حالة من حالات الانعدام التي لا تجعل المرسوم مستحقا لهذا الوصف. اذا كان التوقع المستند الى اعتبارات السوابق يقود الى استبعاد قبول القضاء للطعن في سلامة قرار اعلان النتائج اذا كان الطعن مبنيا على عدم سلامة مرسوم الحل فقط (الجريدة بتاريخ 28 ديسمبر 2011).

إبطال

وبتاريخ 20/6/2012 صدر حكم المحكمة الدستورية، بصفتها محكمة طعون انتخابية، في الطلبين رقم 6 و30 لسنة 2012. وكان منطوق الحكم على النحو التالي «حكمت المحكمة بإبطال عملية الانتخاب برمتها، التي اجريت بتاريخ 2/2/2012 في الدوائر الخمس، وبعدم صحة عضوية من اعلن فوزهم فيها، لبطلان حل مجلس الامة وبطلان دعوة الناخبين لانتخاب اعضاء مجلس الامة والتي تمت على اساسها هذه الانتخابات، مع ما يترتب على ذلك من اثار، اخصها ان يستعيد المجلس المنحل بقوة الدستور سلطته الدستورية كأن الحل لم يكن، وذلك على النحو الموضح بالأسباب».
و قد أثار الحكم ردود فعل متباينة، فالبعض رأى فيه مظهرا من مظاهر مد القضاء لاختصاصه في رقابة المشروعية وتقليص عملي لنظرية اعمال السيادة، وان هذا الأمر بذاته محمود وإيجابي ويحسب للقضاء، واعتبره فريق آخر حكما سيئا لأنه اخل بما كان متوقعا ومستقرا ومد نطاق رقابته الى مناطق ما كان له ان يراقبها، وهي لا تدخل في نطاق رقابة قاضي الانتخاب، وذهب البعض في الانتقاد الى مدى أبعد مقررين انعدام الحكم وانحسار صفة الحكم القضائي عنه، وقد تبنى بعض السياسيين ذلك الرأي في بيان لهم بل ان بعضهم شكك في القضاء بقوله «ان هذا الحكم معروف توجهه قبل صدوره على هذا النحو وقد اعلن بعض الصحافيين وبعض السياسيين محتواه قبل موعد صدوره».

المؤامرة

البحث في نظرية المؤامرة أمر غير مجد ما دام الأمر قائما على توقعات وظنون وما لا يمكن إثباته بشكل قطعي لا يمكن ايضا نفيه بشكل قطعي. وفي ظننا أن عددا من الاشخاص انطلقوا في هذا الاتجاه بعد انتشار الأخبار عن صدور حكم المحكمة الدستورية في مصر بإلغاء عدد من أحكام قانون الانتخاب وبالتالي تقرير عدم سلامة الانتخابات التي جرت وفق النصوص والأحكام الملغاة وترتب على ذلك منطقيا الحكم ببطلان عضوية كل الاعضاء وهو حكم متوقع لأنه مبني على سوابق قضائية معروفة في مصر، لكنه جعل البعض يتساءل عن مدى إمكان وقوع مثله في الكويت، والبعض كان يتمنى ذلك ايضا، لذلك فإن ما يستحق التوقف عنده والبحث فيه هو اساس الحكم وآثاره. ومع ان الذهن كان منصرفا لبحث الموضوع على هذا النحو الا ان التحرك الشديد وغير الثابت الاتجاه للمشهد السياسي يمنع القانوني من تقديم تحليل يمكن الاعتماد عليه، نعم يمكن الاجابة عن الأسئلة المطروحة انطلاقا من النصوص والمبادئ العامة مع التعرض لهامش من الخطأ نتيجة عدم فهم المعطيات بشكل دقيق او تغير هذه المعطيات. ولكن التحليل يختلف عن الاجابة لأنه يحتاج الى حد معقول من ثبات المشهد ولذلك نكتفي بالتعامل مع الاساس القانوني للحكم لعل في فهم هذا الأساس ما يساعد على بناء اساس معرفي لأي حكم على الاحداث.

الأساس القانوني

ولعرض الأساس القانوني للحكم يجب ان نقرر أن دور المحكمة الدستورية كقاضي انتخاب يختلف عن دورها كقاضي دستورية التشريعات. فهي تمارس دورا يقترب من مفهوم القضاء الكامل عندما تتعامل مع الطعون الانتخابية ( تستطيع إلغاء الانتخاب جزئيا او كليا كما تستطيع اعلان النتيجة بعد التثبت من ارادة الناخبين)، اما في تعاملها مع المشروعية الدستورية فهي قاضي إلغاء, كما ان مفهوم المصلحة الذي تتبناه في مجال طعون الافراد في الدستورية يختلف عن مفهوم المصلحة في الطعون الانتخابية، فالحق في الطعن يثبت لكل ناخب في الدائرة ولكل مرشح فيها وبهذا يقود القانون الى اتحاد بين المصلحة والصفة من الناحية العملية.
و قراءة الحكم تدفع المهتمين الى التعامل مع اسئلة عدة:
- ما العناصر التي يجوز للقاضي بحثها دون ان يكون قد خرج عن نطاق فحص الطعون الانتخابية؟
- هل تعرض القاضي لمفهوم اعمال السيادة؟
- هل كان من المتوجب اختصام كل اعضاء مجلس الأمة وبشكل فردي باعتبار ان اثر الحكم ينصرف لهم جميعا؟
- هل كان من الممكن الطعن في مضمون الحكم أم في ذات وجوده؟

الفحص

1 – محل الفحص في الطعون الانتخابية: تقرر المحكمة الدستورية في اكثر من حكم لها ان الانتخاب هو وسيلة المواطنين في ممارسة السيادة المقررة في المادة السادسة من الدستور، وبالتالي فإن بحث كل ما يمكن ان يشوب عملية التعبير عن الإرادة من عيوب يغدو امرا منطقيا، فعدم سلامة الترشيح (وقد كان موضوعا لطعن عام 2009) يمكن ان يكون محلا للفحص والمراجعة بالرغم انه ليس هو ذات العملية الانتخابية، لكنه متصل بها لأن عدم توافر الصفات المطلوبة في المرشح يجعل محل عملية الانتخاب غير سليم. وفي ذات السياق مرسوم حل مجلس الامة ليس هو العملية الانتخابية ذاتها ولكن بطلانه يجعل العملية الانتخابية غير سليمة لان الانتخاب يجري في هذه الحالة بالمخالفة للمادة 83 من الدستور، فالفصل التشريعي لم ينته لانقضاء مدته الاعتيادية بعد والحل لا يعول عليه لبطلانه وبالتالي لا نستطيع ان نتكلم عن انتخابات تجري في المدة الدستورية المقررة في المادة 107، اذ أي من الفرضيتين المذكورتين غير متحققة دستوريا والانتخابات البرلمانية التي تجري في هذه الفترة لا يمكن القول بوجودها.

السيادة

2 – علاقة الحكم بأعمال السيادة: نظرية أعمال السيادة، ويقاربها في النظام القانوني الأميركي المسائل السياسية، هي نظرية قضائية تمت ترجمة مسماها عن الفقه والقضاء الفرنسي بشكل سيئ، فتعبير السيادة يرتبط في الذهن بالسيطرة والانفراد بالتوجيه، وقد كان مفهومها في فرنسا قريبا من هذا الفهم وقد عدلوا عنه منذ 1875 في قضية الامير نابليون ضد وزير الدفاع. ما نسميه اعمال سيادة يسمى في الفقه والقضاء المقارن بأعمال الحكومة ولذلك لا يراقب القاضي الإداري القرارات التي تصدر من السلطة التنفيذية خارج دورها كإدارة عامة. وفي الكويت ادخلها المشرع في صلب القانون، فقرر في المادة الثانية من قانون تنظيم القضاء انه «ليس للمحاكم ان تنظر في اعمال السيادة» وقد يقول قائل ان المحكمة الدستورية ليست درجة من درجات المحاكم ومع ذلك هي بالتأكيد نوع من انواع المحاكم,
ونلاحظ أن نظرية اعمال السيادة او في ترجمتها الادق اعمال الحكومة ليس لها محل حقيقي عندما تمارس المحكمة الدستورية الرقابة على دستورية التشريعات، ولكن استخدامها متصور عندما تمارس المحكمة دورها كمحكمة طعون انتخابية فهي في هذه الحالة محكمة موضوع.

التشريع

وغياب التحديد التشريعي لنطاق اعمال السيادة يجعل امر تحديد معناها لقاضي الموضوع وهو يستهدي بالفقه واحكام القضاء، ونلاحظ أن الفقه مستقر على ان قرار حل البرلمان امر تمارسه السلطة التنفيذية خارج نطاق عملها كإدارة عامة تدير المرافق وتسهر على حفظ النظام العام ولذلك يعتبر قرار الحل من الامثلة التقليدية لنظرية اعمال السيادة. وقاضي الطعون الانتخابية في الدعوى محل البحث لم يعتبر مرسوم الحل معدوما بدليل عنايته بتبرير حقه في الرقابة عليه ولو كان منعدما لما احتاج لمثل ذلك باعتبار ان العمل المنعدم يخرج من اطار الاعمال القانونية ويتحول الى مجرد عمل مادي والقاضي استخدم تعبيرا هو والعدم سواء لوصف قرار الحل بعد ان قرر بطلانه.
والقاضي في هذا الحكم لم يناقش دستورية اعمال السيادة، بل قرر وجودها بقوله انه لا يبحث اسباب صدور المرسوم او توقيت صدوره لكنه وبكل بساطة اخرج من نطاقها اجراءات اصدار المرسوم وقد أوضح ان هذه الاجراءات جزء من الضمانات الدستورية وتقرر المحكمة «ان الدستور احاط الحل – نظرا لخطورته – ببعض القيود والضمانات، فيجب ان يكون حل مجلس الامة بمرسوم تبين فيه اسباب الحل، وهو امر يتطلب معه ان يوقع مرسوم الحل مع الامير، رئيس مجلس الوزراء حتى يتحمل مسؤوليته السياسية، وانه اذا حل المجلس لا يجوز حله لذات السبب مرة اخرى»، والعبارات السابقة تسمح بالاعتقاد ان المحكمة عندما تبسط رقابتها على الاجراءات فإنها لا تبحث فقط في الوجود الشكلي للإجراء لكنها من الممكن ان تبحث في تحقق الوظيفة التي وجدت الاجراءات لتحقيقها. فقولها ان عدم تكرار الحل لذات السبب من الضمانات الدستورية يعني انه من الممكن تصور بسط رقابتها على حقيقة تكرار السبب من خلال فحص دلالات العبارات المستخدمة في مرسوم الحل دون فحص مدى ملاءمته بطبيعة الحال.

فحص الطعون

وقد يقول قائل، هل ما وصلت له المحكمة مهم كي يقال انها مدت انوار المشروعية لمناطق كانت عصية على الضوء؟ تقرير سلامة العبارة السابقة يصبح ممكنا عندما نستحضر قرار لجنة فحص الطعون 2/1982 الصادر بتاريخ 28/6/1982 وقد كان امامها امر اميري يقرر حل مجلس الامة
وامر اميري يقرر تعديل قانون الجزاء، مع ان هناك حكومة تصرف العاجل من الامور وبالتالي تصدر المراسيم والمراسيم بقانون ولم تلتفت لكل تلك الاخطاء الاجرائية ورفضت تقرير عدم دستورية التشريع، مع انه قد كان اقرب للانعدام منه للبطلان. نحن نتفهم ظروف الحكم السابق ونعلم ان مبدأ المشروعية في كل الدول لم يقوَ عوده عند ولادته مباشرة وان التطور الطبيعي يحتاج الى وقت ونعتقد ايضا انه من الحصافة مساندة القضاء عندما نكون امام نقلة نوعية محمودة ومستحقة.

نسبية الحكم

3 – اثر الحكم على بقية الأعضاء: الاصل ان الاحكام نسبية الاثر ينصرف اثرها المباشر الى أطراف الخصومة والى جوار هذا النوع من الاحكام هناك الاحكام عينية الاثر والخصومة في هذا النوع توجه لقرار يفحصه القاضي فيحكم بسلامته او عدم سلامته وبالتالي الغاؤه واذا تم الالغاء فإن القرار لا يعود موجودا بالنسبة للكافة. وهذا الوصف ينصرف الى الطعون الانتخابية لان محل الحكم في واقع الحال هو قرار اعلان النتيجة، ولذلك فإن الطعن بصحة انتخاب احمد هو في واقع الحال طعن بسلامة قرار اعلان احمد فائزا في الانتخاب. ومع انصراف اثر الحكم للقرار واعتبار ان الخصومة منعقدة في مواجهته فإن وجوب توفير اجراءات تكفل عرض وجهات النظر المؤيدة والمعارضة واحتراما للمصالح الشخصية المباشرة المرتبطة بالقرار محل الفحص، ولاعتبارات متصلة بتيسير تنفيذ الحكم فإن القواعد العامة تستلزم اعلان من يتصل اثر القرار المحتمل به بشكل مباشر او من يلزم سماع توضيحاته
والاعلان هنا قد يكون في مواجهة الشخص او في مواجهة من يمثل المؤسسة.
عدم اعلان كل الناجحين في الانتخابات محل الفحص بالطعن المذكور اثار اعتراضات قانونية وتم الانطلاق من هذه الاعتراضات للوصول الى المطالبة بتقرير انعدام الحكم. نحن لا نتفق مع النتائج التي وصل لها اصحاب هذا الرأي، نعم كان من المستحسن ان تطلب المحكمة ادخالهم في الخصومة ولكن من الواضح ان المحكمة اعتمدت اجتهادا مغايرا فهي قد اعتبرت ان سبب البطلان الذي هي بصدد بحثه ليس له صلة بزيد او عمرو من الناجحين ولذلك هي اكتفت باختصام رئيس المجلس بصفته باعتبار انه يمثل كل اعضاء المجلس وادعاء البطلان ان تم الحكم بصحته تنصرف اثاره لكل اعضاء المجلس
وليس لناجح في دائرة بذاتها. و بالرغم من قولنا بأن الاجتهاد الذي اخذت به المحكمة محمول على اساس يمكن فهمه والقبول به إلا اننا نعتقد ان ادخال كل اعضاء المجلس كان افضل من ناحية ازالة المفاجأة وتقليل اثر الصدمة، كما ان اختصامهم او طلب ادخالهم في الخصومة لا يخالف بذاته قاعدة آمرة.

الطعن على الحكم

4 – مدى امكان الطعن في الحكم: من المنطقي في هذا النوع من القضاء ان يكون الحكم من درجة واحدة وبعد صدوره لا يجوز تقديم طعن جديد في ذات الموضوع، ذلك ان مدة المجلس في الاصل محدودة، فلا يستقيم مد اجل النزاع. والمشرع من جانبه يحدد ميعادا قصيرا لتقديم الطعن ومن بعد انقضائه لا يقبل أي ادعاء حتى لو اقسم مقدمه على وجاهة طعنه وسلامة بياناته وان الخصم قد زور اوراقا او اخفى مستندات كانت تحت يده (الطعن بالتماس اعادة النظر). ومع ذلك قد يكون محل الطعن ليس قرار المحكمة في الطلبات التي عرض لها الخصوم او وجدت المحكمة وجوب تقريرها ولكن المشكلة تقع في عيوب تتصل بذاتية الحكم من حيث الشك في ثبوت صفة القضاء الصالح للحكم في اعضاء المحكمة. والمحكمة في حكمين سابقين لها قررت استعدادها لبحث النوع الثاني من الطعون دون ميعاد محدد (الطعن 46/2008 و47/2008). و نلاحظ ان بعض المطاعن التي تم وصم الحكم بها في وسائل الاعلام كان من الممكن تقديمها في اطار دعوى البطلان الاصلية التي قررت المحكمة قبول فحصها من حيث المبدأ و لو تم ذلك على هذا النحو لكان افضل.