دستورية قانون غرفة التجارة
الأبحاث المنشورة
عدد القراءات:
1991
صدر قانون غرفة تجارة الكويت عام 1959 ونشر في الجريدة الرسمية " الكويت اليوم " في ذات العام بالعدد 229 . وصدور القانون قبل صدور الدستور لا ينحل بطبيعته كقانون ، فالمادة 180 من الدستور تقرر بوضوح أن " كل ما قررته القوانين واللوائح والمراسيم والأوامر والقرارات المعمول بها عند العمل بهذا الدستور يظل سارياً ما لم يعدل أو يلغ وفقاً للنظام المقرر بهذا الدستور ، وبشرط ألا يتعارض مع نص من نصوصه " . وحكم المادة 180 من الدستور ، إلى جانب الزاميه ، منطقي ، فلا تستطيع الجماعات أن تعيش في فراغ قانوني عند تحول نظمها الدستورية ، كما لا يمكنها أن تتسرع ، دفعه واحدة ، في كل الأمور التي كانت منظمة بتشريع سابق ، ولذلك فلا مناص من الاعتداد بالتشريعات السابقة على صدور الدستور الجديد . والفقه والقضاء مستقر على الفهم السابق حتى عند عدم وجود نص صريح يقرر هذا الحكم في الدستور الجديد . ولذلك فمن المستقر عليه أن الثورة أو الانقلاب تؤدي إلى إلغاء الدستور السابق على نجاحها سواء بشكل تلقائي أو منذ صدور قرار بذلك ، ولكن القوانين المنظمة لأنشطة الناس ومعاملاتهم تظل قائمة لحين إلغائها أو تعديلها ولا تزول لمجرد إلغاء الدستور السابق أو إقرار دستور جديد.
وإذا انطلقنا من نص المادة 180 من الدستور فإن الإلزام المقرر للتشريعات السابقة على صدور الدستور ( ولا نعرض في هذه الدراسة للقرارات الفردية) يرتبط بعناصر ثلاث وهي ؛ صدورها بصفة تشريع ( أولاً ) وعدم مخالفتها للدستور القائم (ثانياً) وعدم إلغائها أو تعديلها ( ثالثاً ) ( ومن بعد عرض هذه العناصر الثلاث والنظر في حقيقة انطباقها على قانون غرفة التجارة الصادر عام 1959 نستطيع أن نخلص إلى النتائج والتوصيات
أولاً : ـ صدورها بصفة تشريع :
في الفترة السابقة على العمل بالدستور المؤقت ( القانون 1/1962 النظام الأساسي للحكم في فترة الانتقال ) .
كانت السلطة التشريعية والتنفيذية تجتمعان في يد الأمير ، فهو الذي يصدر التشريعات سواء ما كان منها بدرجة القانون في موضوعاته أو ما كان منها ذو طبيعة لا ئحية . وقد استقر العمل على أن ترفع مشاريع التشريعات للأمير عن طريق رؤساء الدوائر باعتبارهم ينوبون عنه في تسيير المرافق العمومية وقد ترفع له المشاريع عن طريق اللجنة التنفيذية العليا التي أنشأت عام 1954 أو عن طريق المجلس الأعلى المنشئ قبل الاستقلال ، وفي الواقع فإن مطالعة النصوص الصادرة آنذاك تكشف عن عدم وجود قاعدة منضبطة ، كما أن التشريعات لم تكن متناسقة لا في أسلوب صياغتها ولا في إجراءات نشرها ولا في الأدوات القانونية المستخدمة لتشريعها . فبعضها يستخدم أداة المر الأميري ( أحكام شرعية خاصة بالأوقاف ، أمر أميري بإقرارها كإحكام ملزمة صادر بتاريخ 5 أبريل 1951 عن حاكم الكويت الشيخ عبد الله السالم ) وبعضها يحمل عنوان " قانون " مثل قانون بشأن الملاحة الجوية ( الكويت اليوم 1958 ـ العد 202 ) ، قانون البلدية الصادر عام 1954 ( الكويت اليوم ـ العدد الثاني ) . وإلى جوار القوانين نجد أيضاً " المرسوم بقانون " كأداة للإصدار وقد صدر ضمن هذا العنوان عام 1959 مرسوم بقانون لتنظيم القضاء وإقامة الأجانب والجنسية الكويتية ، علماً بأن المرسوم بقانون ، كأداة ، لا يتسق فنياً مع الوضع القانوني للسلطات العامة آنذاك فهو يفترض وجود حكومة مسئوله يمارس " بواسطتها رئيس الدولة اختصاصاتها كي لا يكون مسؤلاً أمام برلمان ، ويستخدم المرسوم بقانون عند غياب البرلمان ووجود حاجة ملحة لتشريع القانون ، وكل هذا لم يكمن موجوداً حينذاك إذ لم يكن هناك برلمان وكان الأمير يجمع السلطة التشريعية والتنفيذية . ونعتقد أن هذا التباين في استخدام الأدوات القانونية مرده إلي تباين الثقافات والمدارس القانونية للمستشارين القانونين وعدم وجود نصوص تنظم بوضوح الإجراءات التشريعية . وإذا رجعنا إلي قانون غرفة التجارة فإننا نجد أنه قد نشر في الجريدة الرسمية " الكويت اليوم " بوصفه قانون ، وقد يستغرب القارئ غير المعتاد على متابعة النصوص القانونية القديمة من أسلوب نشره ، فهو لا يحتوي على رقم للتشريع يبين تسلسله في السنة التي صدر فيها كما أنه لا يحتوي على ديباجة ، وقد نشر دون نشر ما يفيد التصديق عليه من قبل الأمير . ومن جانبنا فإننا نقرر بأن الرقم المنشور مع القانون ليس عنصراً من عناصره فهو مجرد إجراء مادي تقوم به جهة النشر لتسهيل الاستدلال على النص ، كما أن الديباجة ليست عنصراً من عناصر التشريع بالضرورة وعند وجود ما فإن صفة التشريع فيها تثبت للأحكام المقررة فيها وليس للوصف الانتسابي لسبب الإصدار . أما عن عدم نشر ما يفيد التصديق فهو لا يعود أن يكون خطأ ماديا لا يعني عدم وجود التصديق في النص الأصلي . وعلي كل حال فإن هذا الخطأ المادي في النشر له أمثلة كثيرة في النصوص المنشورة آنذاك . فقانون البلدية الصادر عام 1954 ( الكويت اليوم ، السنة الأولي ) نشر دون نشر ما يفيد التصديق ، والديباجة الواردة فيه موقعة من قبل " الخبير المراقب " . وقانون الموانئ العام الصادر عام 1959 ( الكويت اليوم 227) تم نشره دون نشر ما يفيد التصديق ، وفي ذات العام نشر تعديل للمادتين 41 و 90 من هذا القانون ( الكويت اليوم 246 ) وتم النشر مع تذيله بتوقيه " رئيس الميناء " مع تقرير سريان التعديل من تاريخ النشر في الجريدة الرسمية وقد عدلت المادة 73 من القانون المذكور عام 1961 بالقانون رقم 11/1961 بتعديل المادة 73 من قانون الموانئ العام رقماً 7/1959 مع أن هذا القانون قد تم نشره في الأصل بدون رقم مسلسل كما لم يرد في النسخة المنشورة ما يفيد التوقيع على القانون ، حال أن التعديل المنشور عام 1961 قد جاء مذيلاً بعبارة " أمير الكويت عبد الله السالم الصباح " مع تمديد تاريخ الإصدار. وسوف لن نستطرد بذكر الأمثلة مع وجود ما لأن الاستطراد له يضيف جديداً للموضوع ، ولكننا نخلص إلى تأكيد أن قانون غرفة التجارة الصادر عام 1959 هو قانون كما هي بقية القوانين الصادرة آنذاك وقد تم نشره كما بقية القوانين المنشورة في تلك الفترة . وغرفة التجارة التي مارست نشاطها اعتباري نظم مهنة التجارة منذ صدور القانون المشار إليه ما كان لها أن تكون وتعمل بدون وجود هذا القانون . فالشخصية الاعتبارية التي تسير لها المادة الثانية من قانون الفرقة لا يمكن أن نثبت إلا قانون أو بناءً على قانون ، ولما لم يكن هناك قانون ينظم نظائرها كان لزاماً أن يصدر قانون خاص يرتب لها الشخصية الاعتبارية ، وقد سلك المشرع الكويتي مثل هذا المسلك لاحقاً عندما أصدر مرسوم بقانون لإنشاء بيت التمويل الكويتي . وتنظيم المهن الحرة في الأصل من اختصاص السلطة التنفيذية ، وإذا كان من الجائز أن يسند هذا الدور لأصحاب المهنة من خلال انتشار مرفق مهنياً فإن . مثل هذا المرفق يحتاج إلي تدخل تشريعي لإنشائه والوجود القانوني للغرفة استناداً لقانونها لم يكن محلاً للتشكيك وقد أشارت بعض القوانين للغرفة من خلا وجوب وجود ممتثلين عنها في بعض الأنشطة ( م 5 من القانون 61/1976 بإصدار قانون التأمينات الاجتماعية ، م 4 من القانون 6/1965 بإصدار قانون الصناعة ) وجوب التسجيل فيها للممارسة بعض الأنشطة ( م 5 من القانون 37/1964 في بشأن المناقصات العامة ) . ولكن هل محتوى القانون الصادر عام 1959 موافق للدستور ؟
ثانياً : دستورية محتوي القانون :
الموضوع الأساسي لاختصاص الغرفة هو تنظيم مهنة التجارة وهو نشاط يدخل بطبيعته ضمن دائرة اختصاص السلطة التنفيذية فهي التي تختص بإصدار قواعد الضبط الإداري ( م 72) كما أن مجلس الوزراء ، وهو العنصر الأهم في الحكومة ، يهيمن على مصالح الدولة ( م 123) . وإذا كان للقانون أن ينيط بتشخيص من أشخاص القانون ، عاماً كان أو خاصاً ، الاختصاص بتنظيم المسائل المكلفة بها السلطة التنفيذية ، فليس للقانون أن يخرج هذه الكيانات التي أنشئها وحدد اختصاصاتها عن رقابة السلطة التنفيذية بشكل مطلق . لأن مثل هذا التنظيم يخل بمبدأ وحدة الحكومة في الدولة ، كما أنه سيخلق كيانات تعمل في إطار الحدود الإقليمية للدولة دون إمكان تحريك المسائلة السياسية عن أنشطتها . وإذا كان الدستور لا يتضمن نصاً يحتوي صراحة حكم إنشاء المرافق المهنية من حيث علاقتها بالسلطة التنفي1ية فإن هذا الحكم يستنبط عند القياس على حكم المؤسسات العامة والأشخاص الاعتبارية الإقليمية . وأوجه التشابه المبررة للقياس تظهر في المسائلة التالية :
ـ إن النشاط الذي تمارسه الأشخاص المرفقية ( المؤسسات العامة) والأشخاص الإقليمية ( البلديات ) وأيضاً المرافق المهنية هو في الأصل من اختصاص السلطة التنفيذية .
ـ الأشخاص الفرضية والإقليمية بقانون كما المرافق المهنية :
وهذا التشابه يقود إلى وجوب الأخذ بالحل الذي أخذ به الدستور في المادة 133 التي تقرر " بتنظيم القانون المؤسسات العامة وهيئات الإدارة البلدية بما يكفل لها الاستقلال في ظل توجيه الدولة ورقابتها ." ونلاحظ أن الأصل هو أن يحدد القانون ذاته شكل التوجيه والرقابة ودرجتهما والجهة التي تمارسهما . ولهذا الإشراف حد أدنى وهو لفت نظر الهيئة إلي مخالفة أحكام القانون الذي قرر لها الاختصاصات والقدرة على الاعتراض وحد على هذه المخالفات علي وهو مشاركة أطراف السلطة التنفيذية في تسير أعمال الهيئة .
وقانون إنشاء الغرفة لم ينظم هذه الرقابة عند صدوره ، كما أن العمل لم يكشف عن الحاجة لمثل هذا الإشراف ، ولعل غياب الانتباه لهذا الأمر راجع لمسلك الفرقة الحذر واتصالها القريب من السلطة التنفيذية بما لا يحوج السلطة التنفيذية للتدخل الرسمي . ولكن مثل هذا الواقع لا يغني عن وجوب التنظيم بما فيه حماية لمصالح كل الأطراف |. وقبل الانتقال إلى عرض مسالة استمرار وجود القانون لعدم إلغائه أو تعديله أي واجباً علي التوقف عند مسالة حقيقة الطبيعة القانونية للغرفة كجمعية . نعم لأول وهلة يبدو للفاحص أن غرفة التجارة لها صفة الجمعية على غرار جمعيات النفع العام ، ولكن التفحص الدقيق للموضوع يجعلنا أعدل عن هذا التكييف . فالتسجيل في الغرفة وجوبي لممارسي الحرف التجارية التي قررها قانون الغرفة ، وهذه الوجوبية تتعارض مع الطبيعة الدستورية للجمعيات كما تقررها المادة 43 من الدستور ، فالجمعيات محكومة بمبدأ طوعية الانضمام وهو الأمر غير المتوفر في الغرفة . ووجوبية الانضمام هي عنصر من عناصر المرفق المهني والمبرر لوجوب صدور قانون لتنظيمه .
ثالثاً : عدم الإلغاء أو التعديل :
كي يستمر وجود القانون الصادر قبل صدور الدستور يلزم بطبيعة الحال ألا يكون محلاً للإلغاء أو التعديل الصريح أو الضمنى . ولم نجد أي قانون يقرر الإلغاء الصريح أو الضمني لقانون الغرفة كما صدر عام 1959 ولكننا نعتقد بوجود التعديل الضمني لبعض اختصاصات الغرفة كما وردت في قانون عام 1959 فهي اختصاصات واسعة لعدم وجود أجهزة قانونية أخرى في مواضيع مثل تمديد الملائمة المالية وعلى كل حال فإن التتبع الدقيق لمسائل التعديل الضمني في الاختصاصات غير متيسر وليس هو الهدف الأساسي بالنسبة لهذه الدراسة . أما عن التعديل في تسمية الغرفة وعدد أعضاء مجلس إدارتها فنحن نعتقد بوجوده وأداة التعديل المستخدمة لم تكن التشريع ولكنها كانت العرف . والعرف إذا اكتملت أركانه مصدر من مصادر القاعدة القانونية ولا قوة موازية لقوة التشريع الذي يأتي إلى جواره . وإذا ما طبقنا أركان العرف في موضوع التسمية وزيادة عدد أعضاء مجلس الإدارة فإننا نجد أمامنا سلوكاً مستقراً بدأ منذ عام 1962 وهو سلوك لا يخالف مقاصد التشريع بل هو يضيف له بما لا يتعارض معه فقانون الغرفة يشير إلى اتصالها بتنظيم أمور الصناعة ( م 1 ، 3 ، 6 ، 7 ، 15 ) ، وقرار الجمعية العمومية للغرفة قد ينشر في الجريدة الرسمية بقرار من السلطة التنفيذية ( الكويت اليوم العدد 376 ) .
ثم أن هذا العرف كان محلاً لإقرار تشريعي سجله واعتبره ، فقد وردت تسمية الغرفة " غرفة التجارة والصناعة " أو " غرفة تجارة وصناعة الكويت " في المادة 10 من القانون 36/1964 في شأن تنظيم الوكالات التجارية ، والمادة 4 من القانون 6/1965 بإصدار قانون الصناعة ، والمادة 2 من القانون 43 /1964 بشأن اقتناعنا بورود التعديل في التسمية وما تبعة من تعديل بعدد أعضاء مجلس الإدارة ، وأن أداة هذا التعديل هو عرف يوازي القانون في قيمته لاكتمال أركانه .
الملاحظات والتوصيات :
1 ـ ما نسجلناه على قانون الغرفة من شبهات دستورية ، لا ينزع عن القانون القائم للغرفة الصادر عام 1959 قرينة الدستورية التي يتمتع بها ، ولكنها تدفعنا إلى المطالبة بالإلتفات إليها لتصحيحها .
2 ـ تعديل قانون الغرفة وجوبي لوجود تشبهة الدستورية ومنطقي لتحسين إدارتها ولكن هذا التعديل من اختصاص المشرع العادي ، ومن يملك حق اقتراح التعديل هو الحكومة وأعضاء مجلس الأمة .
د . محمـد الفيلي