المشكلة في ميعاد تشكيل الحكومة أم حضورها الجلسات؟

الأبحاث المنشورة

عدد القراءات: 1928


تكليف رئيس الوزراء الذي كان رئيساً للحكومة المستقيلة يدعو للإسراع في اختيار أعضائها

أكد الخبير الدستوري أستاذ القانون العام بكلية الحقوق جامعة الكويت د. محمد الفيلي أن خلو الدستور من نص بإلزام تشكيل الحكومة، ومباشرة حكومة تصريف العاجل من الأمور مؤشر على أن هذه الحكومة تمارس العاجل من الأمور فقط، وهو ما يوجب سرعة العمل على تشكيلها.

وقال الفيلي، في دراسة قانونية، خص بها "الجريدة"، بعنوان "المشكلة في ميعاد تشكيل الحكومة أم حضورها الجلسات؟"، إن غياب المدة المحددة لتشكيل الحكومة لغياب النص، وضرورة تشكيلها خلال أسبوعين باعتبارها مدة كافية، إلا أن هناك حكومات سابقة تجاوزت هذا الميعاد.

وبين أن الالتزامات الملقاة على عاتق حكومة تصريف العاجل من الامور هي ذاتها التي كانت تلقى على الحكومة المستقيلة، ومنها حضور جلسات مجلس الامة، إلا أن الدستور لم يضع جزاء لعدم حضورها، وفيما يلي نص الدراسة:


 

التزامات ومسؤوليات

بعد قبول استقالة الحكومة، تكلف وفق نص المادة 103 من الدستور بتصريف العاجل من الأمور، لحين تعيين الحكومة الجديدة وتوليها مقاليد الأمور، فالدولة لا تخلو من حكومة، وحكومة تصريف العاجل هي ابتداء حكومة، وبالتالي تخضع كأصل عام لما تخضع له الحكومة من التزامات، إلا ما يحدد له الدستور حكما خاصا كقصر ممارستها لاختصاصاتها على العاجل من الامور، او ما كان بطبيعته غير ممكن أن يؤخذ به في مواجهتها، مثل طرح الثقة بأحد الوزراء او إعلان عدم إمكان التعاون مع رئيسها لأنها مستقيلة اصلا.

ما هو عمر حكومة تصريف العاجل من الامور؟ إجابة هذا السؤال مرتبطة بالاجابة عن سؤال آخر: متى يلزم تشكيل الحكومة الجديدة؟ لا نجد نصا يحدد مدة تشكيل الحكومة الجديدة، لكن نجد مؤشرا يدل على وجوب الإسراع في تشكيلها، وهو قصر اختصاصات الحكومة المستقيلة على العاجل من الأمور.

وإذا كان قصر اختصاصات الحكومة المستقيلة على العاجل من الامور يعني عقلا وجوب الإسراع في تشكيل الحكومة الجديدة فما هي الترجمة الرقمية لفكرة الإسراع في التشكيل؟ غياب النص يمكن أن يدفع المراقب الى افتراض أن الترجمة الرقمية ستكون اقل من اسبوعين، وهي المدة التي ينجح خلالها رئيس مجلس الوزراء المكلف بتشكيل حكومته بعد إجراء الانتخابات، كي يحضر مع وزرائه أمام المجلس المنتخب حديثا، وهو مجلس ينعقد خلال أسبوعين من انتخابه وفق حكم المادة 87 من الدستور.

نجاح رئيس مجلس الوزراء المكلف بتشكيل حكومته خلال هذه المدة مرتبط بالتكلفة السياسية لعدم نجاحه، ففي الفرض الأخير عدم النجاح سيحضر رئيس مجلس الوزراء المكلف بتصريف العاجل من الأمور مع حكومة تصريف العاجل من الامور امام المجلس الجديد.

ميعاد التشكيل

وإذا كان عدم تحديد مدة لتشكيل الحكومة يثير مشكلة في إطار الدستور الكويتي والدساتير التي تأخذ بالنمط البرلماني عموما فإن المشكلة تتفاقم واقعيا بعدم انعقاد البرلمان أثناء وجود حكومة تصريف العاجل من الامور. إذا يلزم واقعيا بحث الامرين: ميعاد تشكيل الحكومة وحضورها امام مجلس الامة.

اولا: ميعاد تشكيل الحكومة الجديدة: الأصل أن يتم تشكيل الحكومة الجديدة في أسرع وقت ممكن، لان حكومة تصريف الامور مقصور اختصاصها على العاجل منها، وقراراتها الفردية من حيث احترامها لهذا القيد خاضعة لرقابة القاضي الاداري، أما قراراتها التنظيمية فتخضع لرقابة المحكمة الدستورية من حيث التزامها بهذا التوجيه، وهي التي لا تملك بسط الرقابة الدستورية على القرارات الفردية.

هل غياب الترجمة الرقمية لمفهوم الإسراع بتشكيل الحكومة نقص في الدستور الكويتي؟ نظن أن الاجابة ستكون لا، لأن الدستور الكويتي وإن أجاز الابتعاد عن النظام البرلماني التقليدي الى حد ما الا انه استبقى الاقتراب من هذا النظام كهدف منشود، واعتبر الوصول له هو الاصل.

واذا كان السير الحسن للنظام البرلماني مرتبطا بوجود أغلبية واضحة في البرلمان تسمح لرئيسها عند تكليفه من قبل رئيس الدولة بتشكيل الحكومة باختيار وزرائه من الاغلبية بسرعة ويسر الا ان هذه ليست الا واحدة من فرضيات النظام البرلماني.

ومن المتصور واقعيا ألا يبعث جمهور الناخبين للبرلمان أغلبية واضحة كافية لتشكيل الحكومة، او لا تفرز الانتخابات سوى اقليات يصعب خلق ائتلاف منها، وهذا يصعب مهمة رئيس مجلس الوزراء المكلف، ويجعله عمليا غير قادر على تشكيل حكومته قبل موعد اجتماع البرلمان.

والواقع العملي يعطينا امثلة متعددة لهذه الفرضية، خاصة في ظل تقارب أطروحات الكتل السياسية وضعف الكتل الايديولوجية وازورار جمهور الناخبين عنها وهذا ملاحظ في اوروبا مثلا، ونعلم ان تشكيل الحكومة قد تعطل في بعض الحالات مدة تزيد على السنة، وقد حدث مثل ذلك في العراق ولبنان، وهما ايضا يتبنيان دساتير ذات طابع برلماني.

فرضية التأخر

قد يقول قائل: لكن الوضع في الكويت مختلف لان الدستور، وان اجاز تشكيل الحكومة من الاغلبية البرلمانية وفق النمط البرلماني التقليدي الا ان عدم وجود الاغلبية البرلمانية المتجانسة، استنادا إلى برنامج تقوم عليه، جعل صانعي الدستور يسمحون بوجود نموذج لتشكيل الحكومة يكتفي باختيار رئيسها انطلاقا من تلمس رئيس الدولة لتوجهات البرلمان.

والحكومة المشكلة تكتفي عند تشكيلها بثقة رئيس الدولة لأنها لا تستند إلى اغلبية برلمانية، او من الممكن ان توجد دون ان تستند إلى أغلبية برلمانية. إذا كانت الحكومة قد تشكلت وفق النمط السابق فما المبرر للقبول بفرضية تأخر تشكيلها عن اسبوعين؟! نلاحظ في هذا الصدد عددا من الامور:

 

1 - عدم وجود النص لا يسمح بالقول بأن هناك حكما مقررا، أما عن العرف فلم يحدث تأخر لتشكيل الحكومة اللاحقة على الانتخاب وتم قرنه بجزاء محدد. أما عن الحكومات التي تشكل اثناء سريان الفصل التشريعي، فقد تأخر تشكيل بعضها لما يزيد على الخمسين يوما، ولم يتقرر على ذلك جزاء.

2 - القول بوجوب التشكيل خلال أسبوعين يعني رفضا مسبقا لإمكان الوصول يوما ما إلى نظام برلماني تقليدي، وحكومة الائتلاف من ضمن الأحوال المتصورة في النظام البرلماني التقليدي.

3 - عدم تحديد مدة لتشكيل الحكومة مرتبط بضابطين وردا في الدستور يشكلان أداة لتقليل الآثار الضارة لتأخر تشكل الحكومة، بل قد يؤديان إلى الإسراع بتشكيلها عمليا، وهما قصر الاختصاص لحكومة تصريف الأمور على العاجل منها، وذلك تحت رقابة القضاء ووجوب حضور الحكومة، حتى المستقيلة، أمام البرلمان.

حضور الحكومة

ثانيا: حضور الحكومة أمام البرلمان: تنص المادة 116 من الدستور على انه "يسمع رئيس مجلس الوزراء والوزراء في مجلس الأمة كلما طلبوا الكلام، ولهم أن يستعينوا بمن يريدون من كبار الموظفين أو ينيبوهم عنهم، وللمجلس أن يطلب حضور الوزير المختص عند مناقشة أمر يتعلق بوزارته. ويجب أن تمثل الوزارة في جلسات المجلس برئيسها أو ببعض أعضائها".

الفقرة الأخيرة من المادة تقرر وجوب حضور الحكومة إما برئيسها أو ببعض أعضائها، وقد استقر العرف على تفسيرعبارة "بعض" بأن حضور واحد من الوزراء يجزي عن البعض، علما بأن البعض في اللغة أكثر من واحد. كما أن العمل استقر على أن غياب الحكومة يبطل انعقاد الجلسة، مع عدم تقرير النص لهذا الأثر، فهل لهذا العمل قيمة العرف القانوني؟

لعل أصل هذا العمل انطلق من رأي للدكتور عثمان خليل عثمان، ذكره في جلسة 15/ 12/ 1964 بمناسبة نقاش حول تمكين بعض الوزراء من أداء القسم أمام المجلس بعد أداء القسم أمام رئيس الدولة. وقد وصل الخبير الدستوري الى عدم جواز عقد الجلسة في هذه الحالة، ولعل ذلك الرأي مرتبط بواقعة محاولة عدم تمكين الوزراء من أداء القسم، فقد أبدى الرأي ربطا بالواقعة المشار لها. إذا تركنا جانبا السوابق البرلمانية نلاحظ أن الدستور يقرر في المادتين 90 و97 أحكاما تنظم موضوع اجتماعات المجلس، ويرتب جزاء بطلان الاجتماع على مخالفتها.

والسؤال محل البحث هو إذا كان نص الدستور في المادة 116 لا يرتب جزاء بطلان الاجتماع على غياب الوزراء، فما هو أصل البطلان المستقر على القول به من قبل المجالس المتعاقبة؟ هل هو عرف مفسر أو مكمل مثلا؟ في قناعتي هذا العمل المستقر لا يرقى الى درجة العرف الدستوري الذي يشكل مصدرا من مصادر القاعدة الدستورية لتخلف عنصر المشروعية في الركن المادي، فهو يتعارض مع المبادئ الدستورية المقررة في الدستور على النحو التالي:

مبررات التعارض

1- في هذا العمل عدوان غير مبرر وبلا سند على مبدأ الفصل بين السلطات، فواجب المجلس تمكين الحكومة من الحضور، ولا يملك الزامها بالحضور، والقول به يقود الى ترتيب جزاء على المجلس بفعل تنفرد به الحكومة.

2- هذا العمل يعطل عمل المجلس في التشريع، مع عدم ارتباط التشريع به، فيمكن للمجلس ان يقر القوانين بغياب الحكومة مادامت هي لا تريد الحضور. والحكومة في كل الأحوال تستطيع رفع مرسوم رد القانون لرئيس الدولة، متضمنا أسباب الرد. وفي حال التصديق عليه يمكن للمجلس إعادة التصويت.

أما في حال عدم الرد وعدم التصديق، فالقانون يغدو مصدقا عليه بفوات المدة المحدد في المادة 65 من الدستور وهي عادة ثلاثون يوما. أما عن الاختصاص الرقابي فغياب الحكومة يضعفه الى حد كبير

ولكن لا يوقفه بشكل كامل، فيمكن لأعضاء المجلس دائما توجيه الأسئلة المكتوبة مثلا.

3- في هذا العمل المستقر إضافة حالة جديدة من حالات تعطيل جلسات المجلس وبلا ضوابط، مع ان الدستور نظم هذا الأمر، ووضع له ضوابط في المادة 106، فالتأجيل يكون بمرسوم ولمدة محددة وتمديده يخضع لقواعد خاصة.

إذا نحن أمام حكم مضاف بالعمل يتعارض مع الحكم المقر بالنص، ولا يجوز أن نأخذ بحكم مفترض يتعارض مع إرادة صريحة مقررة بالنص.

4- النظام البرلماني يقوم على توازن بين الحكومة والبرلمان، فلكل منهما أدوات يقررها الدستور كي يستخدمها في مواجهة الطرف الآخر. الدستور الكويتي قرر أدوات مهمة تملكها الحكومة في مواجهة البرلمان، وإضافة أدوات جديدة لمصلحة طرف من أطراف العلاقة يخل بالتوازن المفترض بين طرفي العلاقة.

سابقة

نخلص الى أن العمل المستقر استند الى سابقة تختلف في مبرر وجودها عن الواقع القائم، فوجودها ارتبط بفعل المجلس عندما حاول تعويق أداء بعض الوزراء للقسم، ثم استقرت الحال على اعتبار مجرد غياب الحكومة سببا لعدم صحة الجلسة، وأن الأخذ بهذا العمل المستقر لا يتسق مع احكام الدستور، وأيضا يقود الى خلق مشكلة عند إعادة تشكيل الحكومة أثناء دور الانعقاد.

حضور الحكومة المستقيلة جلسات مجلس الأمة لا يعني دعوة لاستمرارها فترة طويلة، فاختصاصها يبقى محدودا، وفي حال تجاوزه يمكن للقاضي الدستوري والقاضي الإداري وقف التجاوز. ولكن انعقاد جلسات المجلس يخفف من الآثار الجانبية لطول فترة تشكيل الحكومة الجديدة، وقد يكون مبرر ا للإسراع بتشكيلها إذا كان رئيس مجلس الوزراء المكلف هو ذات رئيس مجلس وزراء الحكومة المستقيلة، فهو لن يستطيع تنفيذ برنامج العمل الذي يختار وزراءه وفقه من خلال حكومة تصريف العاجل من الأمور، لأن اختصاصاتها محددة، أو لنقل محدودة، مقارنة بالحكومة العادية