د. محمد الفيلي: يجب إعادة تأهيل الكويتي وتعريفه بالمواطنة الصحيحة

في الأخبار

عدد القراءات: 17205


جريدة النهار: د. محمد الفيلي: يجب إعادة تأهيل الكويتي وتعريفه بالمواطنة الصحيحة

الدخول في حوار مع أستاذ القانون د. محمد الفيلي ليس كالخروج منه، لانه يتطلب سعة صدر في الاستماع، وبناء الأسئلة على الأجوبة التي يقولها وهي عادة ما تكون دقيقة.
كنت أخال أني سأجد انسانا محبطا بعد عودته القسرية من باريس، لكني فوجئت بانسان متفائل لا ينظر الى الوراء إلا ليتعلم.

والقانون عن د. الفيلي هو منطلق أي اجابة لهذا كان حريصا في اختيار مفرداته.
بداية رفض د. الفيلي وظيفة «الخبير الدستوري» وقال ان من يستحقها هو د. عثمان عبدالملك الصالح، وان لقب الخبير الدستوري نشأ مع وضع الدستور عندما لم يجد أحد لقبا غيره للقانونيين والدستوريين الذين ساهموا في وضع الدستور.
ولانه تحدث غير مرة وكتب ايضا في المواطنة فلقد بدأ الحوار بتعريف المواطنة فقال انه انتماء للدولة ككيان سياسي واجتماعي، وان القبيلة والطائفة والفئة تدمر المواطنة لأن الولاء يجب ان يكون للوطن أولا، وقاده ذلك الى الحديث عن التجنيس السياسي في فترة ما، مشيرا الى ان الدولة يجب ان تعيد تأهيل المواطن لمعرفة وطنه.
وأوضح ان الخطورة في ان يكون لكل مكون من هذه المكونات مشاريعه التي يحملها إلى الندوة البرلمانية.
وقال إن الدولة عندما حاربت الفرعيات كانت تريد أن توصل رسالة إلى أن الدولة هي الأساس وأن الحل في إسقاط الجنسية الثانية.
وشدد على أن الحكومة القوية هي التي تقود مجلساً قوياً، فمن دون حكومة منتجة لن يكون هناك مجلس يراقب ويتجنب الصراخ.
وأضاف أن النائب لا يتمتع بثقافة دستورية كافية ويعتقد أن الباقين سذج، ومنهم من يعرف ويحرف.
وعن الحل غير الدستوري يقول انه انقلاب حتى ولو كان للتأمل والأفضل أن يكون التأمل للتعديل أثناء سريان الدستور وليس في غيابه خشية من التلاعب وردود الفعل.
وقال ان لدى النائب أو المرشح مفهوماً سيئاً وهو أنه كلما شتم الحكومة كلما صفق له الناس وحقق النجاح.
وأشار إلى أنه مع التعديل ومع زيادة عدد النواب واللجان البرلمانية، ويتحفظ على الحكومة الشعبية، موضحاً أن العلاقة بين الحكومة الشعبية والأحزاب ليست حتمية، خصوصاً وأن سمعة الاحزاب سيئة. ويرى أن المواطن يجب أن يظل مواطناً حتى بعد الانتخابات.
ويفضل د. الفيلي اعتماد معايير الكفاءات في الأسرة، لكنه يرى أن معيار السن مازال مريحاً.
ولا يرى د. الفيلي في المستقبل المنظور ناخباً سياسياً.. لكنه يرى مواطناً محبطاً وصل إلى القاع.. وبإمكانه الآن أن يحقق قفزة نوعية.
ويلحظ أن عزوف المرشحين مؤشر على الخلل في العملية الديموقراطية. وحول المرأة قال ان ابتعاد الرعيل الأول أما انهن يعتقدن انهن أدين دورهن، أو أنهن يردن أن يتركن للدماء الجديدة الدخول إلى المعترك السياسي، مطالباً بأن تنتخب المرأة كمواطنة وبعيداً عن الضغوط.
وقال ان الدستور لم ينص على أن غير المسلم ليس من حقه أن يترشح، كما ان الدستور لم يتطرق إلى قضية الحجاب.


وفيما يلي تفاصيل الحوار:

● ثارت في الفترة الأخيرة قضية مزدوجي الجنسية وارتباطها بقضية المواطنة، فهل تعرف لنا مفهوم المواطنة والمفهوم السياسي للدولة؟

■ في البداية يجب أن نعترف أن مفهوم المواطنة كما نتعامل معه اليوم هو مرتبط بفكرة الدولة، والدولة كإطار ونظام حديثة نسبياً على مستوى العالم وهي أحدث في بلادنا، وعندما تتكلم عن الدولة بمعنى سياسي، بمعنى مجموعة من الناس يرتبطون بهذا الاقليم وهذا النظام، فأنت تتحدث عن أمر غير واضح نسبياً، لماذا؟ ففي مناطقنا فإن فكرة الحدود حديثة نسبياً، وكذلك فكرة المواطنة بمعنى الولاء للنظام أيضاً فهو حديث نسبي..

فإما المدن أو القرى، ومن هو في المدينة كان يرتبط بالولاء لحاكم المدينة، ثم يخرج من المدينة إلى أخرى ليعيش فيها حيث لم تكن فكرة الرابطة القانونية موجودة، أي الجنسية ولنأخذ مثالاً عن الكويت عندما كنا في مشارف الستينيات في مرحلة مخاض الدولة الحديثة، ففي تلك المرحلة طرحناً سؤالاً منطقياً.. من هو الكويتي؟ وفي كل البلاد المواطن لديه الجنسية، ولكن في الكويت لم تكن هناك جنسية ولم تكن هنا وثائق واضحة تبين من هم الكويتيون. لذلك اضطررنا إلى اللجوء إلى معيار افتراضي بأنه من كان موجوداً في الكويت منذ 1920.

وهذا تاريخ مهم باعتبار أن الكويت تعرضت إلى مخاطر وانطلقنا من هذا التاريخ، لنحدد الكويتي، لان فكرة الدولة حديثة نسبيا، وعندما أقول ان فكرة الدولة حديثة نسبيا، أرجو ان أكون واضحا في هذه المسألة، فلا أقول الكيان السياسي حديث نسبيا، فهو موجود منذ 1756.

وهنا الكيان السياسي وضعه اوضح من الكيان السياسي في بلد مجاور... مثل العراق، لان العراق ككيان سياسي لم يتضح وضعه الا منذ 1920 لانه قبل ذلك كانت هناك ثلاث ولايات، وهي ولاية البصرة وولاية بغداد وولاية الموصل، وفي فترة كانت ولاية الموصل تتبع دمشق، وفي فترة كانت ولاية البصرة تتبع والي بغداد.

اذن الكيان السياسي بحدوده الحالية اتضح منذ 1920، وفي كل الأحوال اذا ابتعدنا عن فكرة الكيان السياسي ودخلنا في فكرة الدولة.

وما تحتاجه من مواطن، نجد اننا اضطررنا الى طرح السؤال من هو المواطن في فترة الخمسينيات، وهذا دليل على ان فكرة المواطن بالمعنى القانوني لم تكن منضبطة، وقس على ذلك في البلاد الأخرى.

ايضا حتى اللغة التي تستخدم نجد ان التنظيم القانوني والاداري في البلاد العربية كان متأثرا بفكرة التابعية او الرعايا.. اذن فكرة المواطن هي فكرة حديثة نسبيا وهي الارتباط القانوني والارادي.

وعندما أعبر عنه بطريقة أدبية أقول توطن فكرة الوطن في المواطن. وليس توطن الانسان في وطنه، وهذا هو جوهر المواطنة.

توطن الوطن!

● د. محمد لنخرج من الاطار الأكاديمي، لطرح هذه المشاكل بطريقة مبسطة.

■ سأحاول جهدي... وأريد ان أقول ان الحوارات تشترك فيها الاعضاء وهناك فكرة تفيد بان من يقيد يديه يتوقف لسانه.

إذن لو عدنا الى فكرة المواطنة فهي اولا حديثة نسبيا، ولا تؤتي أكلها الا اذا كانت هناك قناعة ارادية من الأفراد للانتماء السياسي الى الدولة وهي ما كنت أقصده بفكرة «توطن الوطن في المواطن»، وقد عبر عنها أحد الفقهاء الفرنسيين بالقول «بأن المواطنة حالة ارادية»..

وهو موريس لوريو، بما معناه ليست فقط حالة قانونية، فالحالة القانونية مهمة ولكنها لا تؤتي أكلها ومن هنا يفرقون بين المواطنين والرعايا.

فالرعايا تحت رعاية حاكم او يرعاهم الحاكم، اما التابعية فهي التبعية لحاكم، اما المواطن فهو جزء من وطن وهذا يقود الى مفهوم أكثر بعدا بمعنى ان قضية التنمية واجب، أي ان تهتم بالبلاد لانك متوحد معها، مثل فكرة الصوفية أي الاتحاد مع الله، وهي حالة مثالية، وقد عبر عن ذلك الصوفيون بطرق متعددة كالحلاج وابن الفارض وغيرهما، والفكرة من هذا ان تصبح قضية التنمية هي قضية المواطن.

● وهل هذا يقودنا الى ما كنت قد كتبته عن المواطنة كحب عذري من طرف واحد؟

■ المحب يتحدث الى المحبوب دون ان يفهم لماذا قاسى وعانى... فهل المواطنة مثل هذه الحالة التي لا تجد لها تفسيرا؟

هنا يجب ان نكون واقعيين فالحالة الارادية كما الحب يحتاج الى مبادلة من الطرف الآخر، أي انه يجب ان يبادل الوطن المواطن حبا بحب. وان لم يكن يخشى... ان تظهر عوارض الحب، وتداعياته السلبية مثل ضمور الحب.

● حتى ولو كانت حالة حب فان العشق المتبادل ضروري؟

■ أنا لا أقصد اننا في حالة حب من طرف واحد...

● أي عطاء متبادل؟

■ نعم لان الدولة عليها التزام ايضا تجاه المواطن.. وهذا ما يؤدي إلى تنمية فكرة المواطنة في المواطن. ونحن لا ننتظر الحب فقط من المواطنين

سلوك كويتي سيئ

● هل يمكن أن نقول إن الأخذ من الوطن طغى على العطاء له.. في الحالة الكويتية؟

■ الآن نأتي إلى قضيتين.. الأولى أنه تم خلق ثقافة طويلة الأمد.. وهي «لأنه كويتي يستحق» وهذه خلقت سلوكاً سيئاً.

● وهل هذا ما أدى إلى اللهاث إلى التجنيس؟

■ هذا من الآثار الجانبية. أي أنه اصبح لدى البعض قناعة بأن الحصول على الجنسية يعني دخول الجنة.

ولكن الجانب الآخر الملحوظ أيضاً.. أن الدولة وعلى الرغم من تقديمها العطاء.. أدخلت شيئاً آخر.. وأصبحت تتعامل مع المواطن ليس فقط من خلال مواطنته ولكن من خلال أطر أخرى مثل القبيلة أو العائلة أو الطائفة. وهذا السلوك جعل لدى الأفراد - والأفراد لديهم الذكاء الفطري بالاتجاه نحو مصالحهم.

فإذا كانت القبيلة أو الطائفة أو الفئة تقدم لي الحماية، لأن الدولة لا تريد أن تتعامل معي إلا من خلال هذه المكونات، إذن يجبر المواطن على الانكفاء نحو القبيلة والفئة والطائفة. والناس بطبيعة الحال يميلون إلى مصالحهم.

● ولكن هذا الأمر خطير.. ويؤدي إلى تفتيت المواطنين.

■ قد يقال «وخلقناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا»، وما من حاضرة إلا ولها بادية، أو أن ما من انسان إلا وقد أتى من عائلة.. أو من جماعة. هذا الكلام صحيح.. ولكننا هنا أمام مفهوم الدولة..

مع أن كل هذه المكونات لها منطقها، فالقبيلة لها نظامها وكان منطقياً جداً في فترة ما داخل الصحراء ومازال موجوداً، ليس فقط في البلاد العربية.

كيان القبائل

● ولكن أين الكيان السياسي؟

■ أريد أن أوضح أن القبيلة وجدت ليس فقط في البلاد العربية وكانت لها أسبابها وظروفها، ولنتصور كيف يمكن أن يعيش الإنسان في الصحراء إن لم يكن مرتبطا بمكون معين مثل القبيلة، وحتى لا تكون حياته معرضة للخطر فإن من المنطقي أن يكون مع آخرين.

وكانت القبيلة آنذاك منطقية ولم تجتمع القبيلة على أساس عائلي فقط. وتتكون بكل بساطة من اجتماع الأفراد. وهناك قبائل ليست بالضرورة من أصول مشتركة. وتاريخ العرب يثبت ذلك.. والمصلحة تتطلب مسألة الانضمام الى القبيلة.

● إذن هل تود أن تقول ان الموضوع حمائي؟

■ طبعاً.. وهذه الحمائية يترتب عليها أن الأقوى هو الذي يحمي القبيلة ويتزعمها حتى لو كان «لافياً».

وإذا وجد القبلي من لديه المقدرة على حمايته يقدمه عليه.. ولم تكن الحساسية الموجودة حالياً.. ولكن بعد ذلك مع التطورات انغلقت القبيلة على نفسها.

ولذلك عندنا قبائل نشأت نتيجة فكرة العائلة الممتدة، وهناك قبائل نشأت من فكرة التعامل وبعض أسماء القبائل يدل على ذلك.

● مثل ماضي؟

■ الظفير.. من التضافر.. ومطير.

● ولكن ديكسون قالت في كتابها انها مشتقة من اسم «دام طير»؟

■ قد يكون هذا صحيحاً.. ولكن هناك من يقول انها التماطر اي الالتفاف فوق منطقة «أم طير». وهناك رواية أخرى تقول ان مجموعة قبائل اجتمعت عند بئر «أم طير».

وتحالفت وما أقصده.. ان ظاهرة القبيلة مقبولة كإطار اجتماعي وكانت ظاهرة سلطة والآن لدينا حلان اما ان يظل القبلي في الصحراء صاحب سلطة، او كتنظيم او رابطة اجتماعية.

● ما زلت أصر على اللغة المبسطة

■ باختصار فان فكرة الدولة لا تستقيم مع فكرة المواطنة... وعندما نأتي الى المكونات الأخرى مثل الطائفة والفئة..

● لتسمح لي بالمقاطعة... هل هذه المكونات من مقوضات الدولة؟

■ هي كذلك اذا غلب الانتماء اليها على الانتماء للدولة

● وهل يمكن القول ان هذا ما يحدث حاليا؟ او ان هذه الظاهرة قويت؟

■ اذا وازت الوطن او علت عليه؟ ولكنما تظل الطائفة مقبولة كاطار ديني، والقبيلة والفئة، والعائلة كأطر اجتماعية، اما اذا نافست الدولة، وأصبح الانتماء اليها أقوى نصبح أمام تعارض بين الدولة وهذه المكونات.

المواطنة حب

● وهل هذا ما يفسر الانتخابات الفرعية؟

■ طبعا... وفي الأساس المنطقي يتناقض مع الدولة... أضف الى ذلك بعدا مهما وهو ان القبيلة في نشأتها لم تنشأ في اطارها... فهي مجموعة من الناس تتحرك قبل ان تنشأ الدول... اذن الانتماء اليها مبرر... ولكن اذا أصبح لها دور سياسي فهي تتناقض مع الدور السياسي للمواطن في القبيلة نفسها في دولة أخرى.

● كيف ذلك؟

■ وأنا هنا لا أقول الاّ يكون للناس علاقات اجتماعية خارج حدود الدولة، ولكن اذا تحولت الى اطار سياسي فستكون هناك مشكلة.. والسبب نفسه بالنسبة للدين او الطائفة، فالدين او الطائفة كاعتقاد لا تحده الدولة... ولكن الخطورة في الدور السياسي.... فالدولة لها مفهومها، واذا أدخلنا المفهومين فسنقع في تناقض في مرحلة معينة.

● ماذا تقصد بالدين كاطار سياسي؟

■ معنى ذلك ان أقبل بأي فتوى تأتي من أي مكان... وكما قلت فان الخطر في انه اذا كان للفتوى الدينية اثر سياسي حتى لو تعارض مع الدولة.

وقد تأتي هذه الفتوى من دول الجوار لانه وبكل بساطة الدين لا يرتبط بحدود الدولة وقد كتبت في هذه المسألة... حول الدولة والقبيلة والمواطنة والديموقراطية... وأعتقد اني لست الوحيد.

● الخوف يشتد في التأثيرات التي ذكرت؟

■ نرجع الى الدولة... فانها لا تستقيم من دون مواطنة، ولا تسمح بدخول شركاء في العلاقة بينها وبين المواطن، ولا أقصد ان القبيلة او الطائفة او الفئة تتعارض مع الدولة ويجب رفضها... لكن شرط الاّ تحمل مشاريع تتناقض مع مشروع الدولة او تهدد مشروع الدولة.. ولكن المطلوب رفضها في حال خروجها عن اطارها الاعتقادي او الاجتماعي او الفئوي.. اما اذا بقيت في هذه الأطر فلا ضير في ذلك.

● شبهت المواطنة بالحب... وفي الحب تحدث خيانات، هل نستطيع ان نسقط «الخيانة» على المكونات في حال تعديها حدودها او اطرها؟

■ في موضوع الحب الخيانة لا تأخذ المعنى القانوني... وأحب ان استخدم تعبيرا في موضوع الحب فهو في جوهره استحواذ وهو استحواذ متبادل... ولا يتقبل طرفا ثالثا.

● كما هي الحال في رفض الطرف الثالث ترفض ازدواجية الجنسية؟

■ الآن عندما أتكلم عن ازدواجية الجنسية فمن الضروري ان أفصل بين قضيتين للتعامل مع السلوك الاجتماعي.

نعم القانون يختلف عن التوجيه الأخلاقي والديني.. لأنه مصحوب بالقوة الجبرية لمنع الناس من المخالفة، لا كي توجههم إلى السلوك.

إذن محاربة الفرعيات تتم عبر تطبيق القانون والأمر الآخر لا يقل عنه أهمية وهو إعادة النظر بأسلوب التعامل مع هؤلاء.

وإذا بقيت تتعامل معهم كأفراد من خلال اطار القبيلة.. إذن أنت تجبرهم على البقاء في اطار القبيلة.

ازدواجية الجنسية

● كمراقب سياسي.. وقانوني، ما يجري حالياً هل سيغير في شكل مجلس الأمة؟

■ القضية القانونية الدقيقة والقضية العاطفية والسياسية.

وبالنسبة للقضية القانونية الدقيقة فإن ظاهرة ازدواج الجنسية كما هي ظاهرة انعدام الجنسية.. معروفة على مستوى الفقهاء.. وهي معروفة كاستثناء. وتأتي في حالات التزاوج.. وقانون الجنسية الكويتي يمنع على المواطن أن يحمل جنسية أخرى كما يشترط التنازل عن أي جنسية، وهذا الترتيب، يتأتى منه ليس فقط أن يحمل جنسية أخرى، وانما ايضاً أن يصبح عنصراً في الجنسية الأخرى.

وهنا اقصد أن من يحمل بعض الجنسيات الأوروبية كما يحدد قانون تلك الدول عندما يولد الإنسان فيها.

أما ظاهرة ازدواج الجنسية وظاهرة التجنيس السياسي فهما ظاهرتان مرتبطتان، والعدد الأكبر الأهم في ازدواج الجنسية ناتج عن تجنيس سياسي.

● ما الحل إذن؟

■ أعتقد.. أنه بإسقاط واحدة من الجنسيتين وهنا أتحدث عن ربع مليون نسمة.. والحل أن على الدولة أن تأخذ تدبيراً قاسياً وهو إعادة تأهيل مواطنيها. بمعنى أن فكرة التجنيس تقوم على أن الجماعة تقبل عضواً جديداً في الدولة تراه أصبح قريباً منها.

● هذه نظرة بريئة للأمور.

■ أنا أتحدث بواقعية شديدة.. ولكن واقعاً أن بعض أطراف السلطة ولأسباب سياسية قاموا بعملية تجنيس عشوائية.

● لم يكن عشوائياً بل مدروساً.

■ حتى لو قلت انه مقصود.. فأنا لا أملك الدليل.. ولكن يتردد أن صراعات ما حدثت، وأرادت الأطراف المتصارعة الاستقواء بأطراف أخرى. أما بالنسبة للأمر إذا كان مدروساً فإن له أهدافاً بعيداً.. أما العشوائية فهي وليدة لحظتها.

التجنيس العشوائي

● هل تعتقد أننا شعوب مؤقتة؟

■ دعني أركز على قضية التجنيس فالأمر بالنسبة لي ليس مدروساً بل عشوائياً.. ولو كان مدروساً لما اتخذ.. وفكرة التجنيس قائمة على أساس من نحتاجه، أو من نرى أنه أصبح جزءاً منا.

وحدث التجنيس بأعداد كبيرة.. وكان على الدولة أن تستخدم وسائلها في التعليم وفي التربية كي تدخل مفاهيم المواطنة وتنشرها لدى القادمين الجدد، فالتعامل مع الناس ليس كما التعامل مع السيارات أو الآلات الكاتبة.. عندما ننتهي منها نرميها، وما أجده أن الدولة قامت بعملية التجنيس ثم قامت بتجذير هذه الظاهرة، مثل ظاهرة القبيلة. وهي عملية حفر تحت أقدام الدولة تؤدي إلى انهيارها.

● سواء كانت هذه الظاهرة بمحض ارادة الدولة... أو غير ذلك فلقد أحضرت أحصنة طروادة الى بلادها؟

■ ما أود أن أقوله نحن بصدد واقع والتعامل معه ليس بتجذير سبب المشكلة... وأنا شخصيا لا أفهم لماذا تقوم الدولة بذلك...

وأتساءل متى يتحول هؤلاء الى مواطنين؟ واذا بقينا ننفخ في ظاهرة القبيلة فنحن ننمي فكرة الانتماء الى القبيلة على فكرة الانتماء للوطن.

وأنا في اجتهادي أرى ان الحل يكمن في تأهيل المواطن بحيث ينتمي الى الدولة اولا وليس الى القبيلة او الطائفة... مع ان هذا الأمر صعب.

الانتخابات الفرعية

● هناك محاربة ولو ظاهرية للفرعيات ولكنها رسالة؟

■ عندما تتعامل مع هؤلاء بهذه الطريقة توصل رسالة بان الدولة ترفضهم من خلال القبيلة وتقبلهم من خلال المواطنة... وحتى لو تعلموا وأصبحوا حملة شهادات وفي مراكز مهمة.

فالدولة تقول لهم: انا لا أقبلكم لا بعلمكم ولا باجتهادكم ولا بمراكزكم اذا كانت من منطلقات قبلية.

والآن نأتي الى مرحلة الانتخابات... وفيها اندفاعات وحماس وغير ذلك، وليست قرارا بعيد المدى... ولكن ما ذكرته ليس حلا آنياً حتى تأخذ به اليوم وتظهر النتائج غدا... ويجب ان تستمر فيه فترة طويلة حتى تظهر النتائج.

● هل أنت مع الاجراءات التي تتخذ؟

■ نعم... ولكن أعود وأقول ان القانون شكل من أشكال تنظيم السلوك الاجتماعي ولكنه ليس الشكل الوحيد.

● ليس حلا؟

■ هو حل ومهم... ولكن الاعتقاد بانه الحل الوحيد فهذا اعتقاد ساذج لان القانون جزء من منظومة.

● هل أنت متفائل.. وماذا تتوقع؟

■ سأفرق بين التوقع والأمل... فأنا آمل بمجلس منتج بشكل أفضل، ولكني أعلم بان المجلس لا يستطيع ان يكون منتجا بشكل أفضل ما لم تكن هناك الى جواره حكومة قادرة على ان «تقوده» وقد تكون هذه الكلمة غريبة ولكني سأوضحها فالمجلس ماذا يفعل؟... التشريع والرقابة، فالتشريع تشاركه فيه الحكومة، اما الرقابة فهي تحتاج الى فعل، ومن دون فعل تصبح مجرد شغب... والرقابة الجيدة تحتاج الى فعل جيد.

وعندما تتعامل مع طرف، لا يجيد عمله وتوجه اليه الملاحظات ثم تبدأ بالصراخ وعندما لا نحقق نتيجة من الصراخ، فسنبحث عن قضايا هامشية وننسى الوظيفة الأساسية. وأكرر الحكومة الجيدة هي التي تقود المجلس في أدائه الرقابي.

واذا تحدثنا عن فشل المجلس... يجب ان نسأل أي مجلس يعمل تحت رقابة الرأي العام، وأي مجلس يعمل على أساس انه سيعود مرة أخرى؟!

ولا يجب ان نعتبر ان الناس سذج وأغبياء، وعندما نجد ان الحكومة تقوم بعملها وتجد امامها أشياء ملموسة ربما لن تعير اهتمامها للعضو الذي يهدد من دون سبب حقيقي.

● ولكن المواطن مازال مأخوذا بالشعارات ويريد كل شيء؟

■ نحن نتحدث عن سوء الإدارة وحسن الأداء. أما مسألة أن المواطن يريد كل شيء.. فهذا مقارنة بدول أخرى أقل، ولكن أنا أسأل.. هل الأعور سلطان لأن جيرانه عميان؟!

أما المسألة الثانية، فإن الدولة هي التي تعطي سواء كان المواطن يعمل أو لا يعمل فنحن نتحدث عن واقع إنساني، وهذه هي سنة الحياة.

● لننتقل إلى محور آخر وهو الثقافة الدستورية لدى النائب كم علامة تعطيه؟

■ كمراقب أجد أن الثقافة الدستورية ضعيفة جداً لدى الأعضاء.. وأجد ظاهرة أخرى وهي أكثر خطورة وهي أن بعضهم يعرفون ويحرفون، وهذا ما يجيز لهم ارتكاب الأخطاء وهم يتصورون أن الجمهور لا يهتم بهذه الأخطاء ولذلك تجد تعبيرات جديدة من نوع مخالفة حميدة. وهذا يقود إلى أن العضو لا يهتم بالثقافة الدستورية لأنه يدرك أن الجمهور لا يهتم بالثقافة الدستورية.

والعضو في النهاية ممثل على خشبة المسرح وعلى قدر التصفيق يتأثر أداؤه فإذا وجد أن النكات السخيفة تحصل على تصفيق فسوف يكثر منها. وإذا وجد أن النكات السخيفة تلقى استهجاناً واستخفافاً فسوف يقلل منها.

● هل أصبح الخبير الدستوري «وظيفة»؟

■ هذا التعبير نشأ في اطار المجلس التأسيسي. وكانوا يعلمون بأنهم لا يعلمون فبحثوا عمن يعتقدون بأنه يعلم وأوجدوا له مسمى. والمشكلة اليوم أنهم يعتقدون بأنهم يعلمون وهم لا يعلمون ولا يقبلوا أن يقال لهم انهم لا يعلمون.

وهذا الوضع داخل السلطات العامة جعل الناس تلقائياً تبحث عن مخرج، وبالمناسبة يجب أن تذكر انساناً قدم خدمة كبيرة لهذا البلد وهو المغفور له د. عثمان عبدالملك الصالح وهذا الرجل من خلال تصديه ومن خلال مساعدته للرأي العام استحق لقب«خبير دستوري» وهو استاذ قانون. وبعد ذلك السنّة مازالت قائمة.

● هل توافق على هذا المسمى؟

■ اترك ذلك للناس.

● البعض يطرح نفسه كخبير دستوري؟

■ هذه مشكلته.

● الخبراء يقدمون آراء مختلفة في موضوع واحد؟

■ الخبراء أطلقوا على أنفسهم هذا اللقب لأنهم وجدوا أن السلطات العامة لا تقول الصدق في قضايا دستورية.

والناس تبحث عمن يستشيرونه خارج السلطات العامة، ومن باب احسان الظن.. أعود وأقول ان تبتعد عن ثقافة «ضعها براس عالم واطلع سالم» وهذه الثقافة مدمرة.. وليس من المطلوب متخصصاً بالقانون الدستوري أو في أي شيء.. وعليك أن تعود نفسك على سند الرأي مع الرأي وهذا يفيد حتى المختص.. حتى لا يندفع أحياناً.

انقلاب على الدستور

● ماذا تقول بالحل غير الدستوري؟!

■ يعني وقف للدستور.. وهذا انقلاب سواء للتأمل أو غيره. ومن وجهة نظري فإننا نحتاج إلى الى التأمل دون وقف، لانك اذا أوقفت الدستور... من يضمن لي ان من أوقف سيعيد، وكذلك ردود الفعل.

● ما الحل؟

■ نحن شعب بحري... والبحارة يعرفون ان السفينة تصلح أثناء مسيرها.

● هل هناك أمل؟

■ اذا اختار الناخب ان يظل مواطنا الى ما بعد الانتخاب فهناك أمل.

● هل الوقت يسعف المواطن لاختيار الأنسب؟

■ هناك مفهوم سيئ وهو الاعتقاد بأن من يشتم الحكومة هو انسان صالح وهذا ابتعاد عن المواطنة... فالحكومة ضرورية... وعلينا ان لا نستبق الأمور ولا الأحكام، ثم ليس كل من يشتم الحكومة نظيف. وهذا يعيدنا الى مفهوم المواطنة.

المجنون والحكومة

● وما العلاقة؟

■ الذين جنسوا لأسباب سياسية وسلطوية هم السبب في التهجم على الحكومة.

● تحدثت عن الدستور فهل أنت مع تعديله؟

■ أقولها وأكررها الدستور بحاجة الى تعديل.

● وفي هذه الظروف؟

■ حتى في هذه الظروف... وهناك نوعان من التعديل... لأسباب سياسية وأسباب فنية.

● وما الفرق؟

■ التعديلات السياسية تحتاج الى توافق بين مختلف مكونات المجتمع.

● التوافق هو عدو الديموقراطية؟

■ لنتفق على شيء... فان تعديل الدستور، التوافق يعني التعديل لفترة طويلة ومن الصعب تعديله مرة أخرى.

● ولكن الدستور ينص على انه يجوز التعديل كل خمس سنوات؟

■ دعنا ننظر الى الأمور بواقعية.

● وماذا عن التعديلات الفنية؟

■ كل يوم نكتشف ثغرات في الدستور.. مثل عدد أعضاء مجلس الأمة.

● والاستجواب؟

■ الخلل ليس في الدستور... بل في تطبيق اللائحة الداخلية في مجلس الأمة. ولنعد الى عدد أعضاء المجلس... كان العدد 300 ألف.. الآن أصبحنا مليونا وهذا يحتاج الى زيادة في عدد الاعضاء.. واللجان، ولا يجوز ان تضع العضو في أكثر من لجنة ثم ان زيادة عدد النواب يخفف التأثير عليهم من القوى.

● استبعدت الاستجواب... مع ان نائبا واحدا يستطيع ان يوقف الحياة الديموقراطية؟

■ كان أمام المشرع حلان اما ان يأخذ بالحكومة البرلمانية... أو ان يأخذ بالمزيج الحالي. وفي الوضع الثاني لابد من الرقابة... واذا أراد ان ينظم الرقابة عليه ان ينظم الأحزاب السياسية.

والآن هل يمكن ان أضع تنظيما للاستجواب على أساس الكتل دون ان أنظم الأحزاب... الجواب لا.. فالكتل مترابطة مع الأحزاب.

● ماذا تقول بالحكومة الشعبية؟

■ للجواب على هذا... كان أمامنا اما ان ننظم الحياة السياسية من خلال الأحزاب.. او ان نعمل فيها كما هي ونظرا للسمعة السيئة للأحزاب السياسية... تم الابتعاد عنها. ومع ذلك نسأل هل الحكومة الشعبية تحتاج الى أحزاب... وهل هذا حتمي؟! والجواب اني أعتقد انها ليست حتمية بمعنى ان الأمر يرتبط بسلوك الناخب الكويتي وهو في المدى المنظور ليس ناخبا سياسيا.

كفاءات الأسرة

● هل أنت مع كسر عرف السن في موضوع الحكم؟

■ أرى ان آل الصباح كما هي الحال في بقية الأسر الكويتية ان عرف السن أساسي، ولكن من الأفضل وضع معايير للكفاءات وفي مثل هذه الظروف فان معيار السن هو معيار مريح في التطبيق.

● كأستاذ للقانون ماذا تقول لتلاميذك عن الدستور؟

■ أنا أدرس تلاميذي أن الدساتير قاعدة قانونية تنظم السلوك الإنساني وأي قاعدة تنظم السلوك الإنساني قابلة للتعديل لأن السلوك الإنساني متغير.

كما أدرسهم أن هناك قوانين يجب أن تعدل بشكل متسارع تبعاً للظروف، كما ان هناك قوانين يجب ألا نعد لها إلا بعد أن نعد من الواحد إلى الألف.

● هل تريد أن تتحدث عن تجربتك في فرنسا؟

■ هذه تجربة أصبحت جزءاً من الماضي.. ولكنها تجربة استمتعت بها لأن باريس هي عاصمة ثقافية تاريخية.

● تردد أنك اجتهدت زيادة عن اللزوم؟

■ ليقولوا ما يشاؤون.. فهذا جزء من الماضي. وكشف لي أن من يبحث عن السلامة يجب أن يمشي بمحاذاة الحائط.

● وأنت هل لا تبحث عن السلامة؟

■ أنا أبحث عنها.. لكن أعتقد أن الأرض فسيحة والشمس ساطعة.

● هل وجدت تشجيعاً؟

■ كل ما وصلني كان مشجعاً وايجابياً.

● البعض كان يقول ان اجتهاداتك تجاوزت التوجهات الرسمية.

■ في قناعتي أن الكويت تستحق أي اجتهاد ايجابي، خصوصاً أننا أمام جمهور فرنسي مثقف.. وواقعي.

أكثر شفافية

● هل تشعر أن الحسد وراء ابعادك؟

■ لا أريد أن أدخل في هذا المجال.. لكنني كنت أتمنى أن الإدارة الحكومية تتعامل بشكل أكثر شفافية.

● وهل تعتقد أن الإدارة تتفهم ما طرحته؟

■ لعلي كنت مخطئاً.. ولكن أكرر بأني أعتقد أن ما فعلته كان صواباً.

● من دون أكاديميات وكمواطن هل تشعر أن المجلس سيعمر؟

■ أرى أن الشعب محبط وقد وصل المواطن إلى القاع ويستطيع أن يقفز إلى أعلى، لأنك قبل أن تصل لا تستطيع أن تقفز.

● المثل الإنكليزي يقول: «أنت لا تستطيع أن تقفز الحفرة على دفعتين» فهل ينطبق على الوضع في الكويت؟

■ لم يعد هناك أقل من القاع.. والآن بإمكاننا أن نقفز وأنا متفائل.مرة أخرى هل سيعمر المجلس؟

● هل تريد ان أتوقع أم آمل؟ ثم الا تلاحظ ان عدد المرشحين أقل من المرة السابقة بمئة مرشح أليس هذا مؤشرا؟

■ إدانة استشعار بان المجلس لن يعمّر؟

■الاحباط... يجعلنا نتقدم.

● هل هناك سؤال كنت تود ان أسألك إياه؟

■ ليس هذا من طبعي.

● كن مكاني؟

■ بالنسبة الى المرأة... عندما عدل قانون الانتخاب وهذه الفكرة أتت من السيد حسين القلاف رغبة منه في الاجماع في التصويت، وهو يجمع بين أيديولوجية الناخب والمرشح، وهناك نماذج في العالم لاكتمال الحياة الديموقراطية. وقد رفض الاقتراح من الجماعات الدينية... وعندما أتعامل مع النص كقانوني.

فقد حل اشكالية المواطنة والمساواة في الحقوق السياسية، كما ان من حق أي مواطن حتى ولو كان غير مسلم ان يترشح، اذن فان عكس ذلك هو التمييز بين المواطنين.

وكرجل قانوني أرى ان الانتخاب والترشيح يجب ان يكونا بارادة حرة وعلى أساس المواطنة، مع ملاحظة ان القانون لم يلحظ حتى مسألة الحجاب.

وعليها ان تمارس حقها بعيدا عن أي ضغوطات مع الالتزام بالنظام العام والآداب. سواء في فترة الانتخابات أو غيرها.

● لماذا توارى الرعيل الأول من النساء وعزف عن الترشيح؟

■ هناك فرضيتان... الأولى انهن شعرن انهن أدين واجبهن في الحركة النسائية والثانية أنهن أردن ان يفسحن المجال للدماء الجديدة.

● متى يخرج د. محمد الفيلي من جلباب القانون؟

■ تحدثنا في السياسة والقانون والأدب والتاريخ... ولم يقتصر حديثنا على القانون.