لجنة القيم والظواهر السلبية و جامعة الكويت

في الأخبار

عدد القراءات: 550



القانون 24 لستة 1996 بين جامعة الكويت ولجنة الظواهر السلبية

 

اعترضت لجنة الظواهر السلبية على أسلوب تنظيم الجامعة للجداول الدراسية معتبرة وجود دروس مشتركة يحضرها الطلبة من الجنسين يشكل مخالفة للقانون وللقيم واحكام الشريعة الإسلامية . نتيجة لهذا الاعتراض سارعت بعض الكليات بإلغاء تسجيل الطلبة في هذه الشعب قبل بداية العام الدراسي بيومين واعادت فتح باب التسجيل في شعب جديدة وذلك قبل يومين من بداية العام الدراسي مما احدث ربكة شديدة في العملية التعليمية .

قبل التعليق على الواقعة يحسن عرض بعض المسائل الأولية ذات الصلة بالواقعة و من بعد ذلك نعرض الرأي في الواقعة .

أولا : مسائل ذات صلة بالموضوع : الأصل ان يصدر القانون نتيجة الحاجة لتنظيم السلوك الإنساني لما يشكله من خطورة على حياة الجماعة . هل صدر القانون المذكور داخل هذا المنظور ؟ وهل كان للقضاء دور في تحديد اطار تنفيذ هذا القانون ؟

1-   طبيعة هذا القانون : لا يسجل المراقب أي مظاهر سلوكية تمثل خطرا جادا يستدعي التدخل التشريعي حين صدور القانون 24/ 1996 بشأن تنظيم التعليم العالي في جامعة الكويت والهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب والتعليم في المدارس الخاصة . والقانون المذكور لا ينصرف لسياسة الابتعاث التي تديرها الحكومة ولا للجامعات الخاصة في دولة الكويت . هذا الحال يدعو الى الاستنتاج باننا بصدد قانون سياسي يهدف لتأكيد قوة جماعة سياسية . التحليل السابق يساعد في فهم ضعف الضبط الفني للقانون المذكور .

2-   موقف المحكمة الدستورية : عام 2015 تم تقديم طعن مباشر في دستورية القانون 24/ 1996 وفي سبيل فحص دستورية القانون المذكور قامت المحكمة في حكمها 13/ 2015 بتحديد مفهوم الاختلاط باعتبار ان هذا المفهوم عنصر أساسي بدون تحديده لا يمكن للمحكمة تقدير دستورية القانون وهو غير محدد في صلب القانون . وقد كان امام المحكمة طريقان , اما تفسير الاختلاط بشكل مباشر او تحديده بخلافه وقد اختارت المسلك الثاني . ولعل اختيارها للمسلك الثاني من باب البعد عن الدخول في وصف من الممكن ان يتضمن تجريحا فالاختلاط في معناه المباشر تداخل بين كيانات او مكونات وهذا لا يصح وصف الطلبة به واذا ابتعدنا عن الوصف المباشر سيكون الاختلاط تقاربا شديدا الى حد الالتصاق وهذا أيضا وصف غير لطيف للطلاب  . اختارت المحكمة المنهج الثاني للتفسير وهو ذكر ما لا يعد اختلاطا فقررت ان وجود الطلبة كمجموعة ووجود الطالبات كمجموعة في ذات قاعة الدرس لا يعد اختلاطا ما دامت كل مجموعة بجهة  بما معناه لا يوجد بينها التصاق . وقد يقول قائل ما هي قيمة هذا التفسير وقد حكمت المحكمة  بدستورية القانون ؟ يجب ان نعلم انه من الناحية الفنية لا تستطيع المحكمة تقرير دستورية القانون او عدم دستوريته الا بعد ان تحدد معناه . واستنادا لهذا التفسير صدر حكمها بدستورية القانون او عدم دستوريته وبهذا المعنى يكون التفسير ملزما .

 

ثانيا : ملاحظات بشأن الواقعة : توقيت الواقعة وطبيعة اللجنة البرلمانية وموقف الجامعة واثر القرار مسائل تستدعي بعض التأملات .

1-   التوقيت : استنادا للتفسير الذي انطلقت منه المحكمة الدستورية لتقرير دستورية القانون واستنادا لاختصاصها بتنظيم مرفق التعليم الجامعي وهو اختصاص مستمد من دور السلطة التنفيذية المقرر في الدستور , قامت الجامعة بفتح عدد من الشعب المشتركة كلما استدعى العمل ذلك . ومسلك الجامعة قائم منذ سنوات فلماذا بهذا التوقيت تم اثارة الزوبعة ؟ بدون الجزم لاستحالته يصبح من السائغ افتراض وجود مبرر سياسي . قد يكون هذا المبرر مجرد الرغبة بخلق قضية يبرز من خلالها تيار سياسي  لا يجد قضايا أخرى او قد يكون المبرر السياسي امر غير ظاهر حاليا .

2-   طبيعة اللجنة : لجنة الظواهر السلبية لجنة مؤقتة سعى تيار في مجلس الامة لإنشائها وهي اقرب في فكرتها لشرطة دينية لأنها تنطلق من صورة أخلاقية ترسمها وتتبع من لا يساير هذا المسلك . ادخال مسلك الطلبة وطريقة تنظيم الشعب الدراسية في اطار بحثها يوصل رسالة غير مباشرة تتضمن تشكيكا بسلوك طلبة جامعة الكويت . كان من الأحصف ,اذا كان لابد من بحث الموضوع لأسباب سياسية مثلا , ان يترك للجنة التعليمية في مجلس الامة .

3-   موقف الجامعة : اظن ان الجامعة لم تبذل غاية جهدها  في طرح حججها وأسباب اتخاذها قرار انشاء الشعب المشتركة وسبب هذا الظن هو سرعة عدولها عن قرارها مع ان القانون يكفل لها الاستقلال . صحيح ان اعضاء  اللجنة بصفتهم أعضاء في مجلس الامة يملكون استجواب الوزير المشرف على قطاع الجامعات الحكومية ولكن هو يملك من جانبه عرض حجج الجامعة وهي قوية , كما ان مبدأ عدول السلطة التنفيذية عن اختصاصها بإدارة المرافق العامة امام كل تلويح بتحريك المسؤولية السياسية يقود لنتائج وخيمة على فكرة الفصل بين السلطات واستقلال الجامعة .

4-   اثر القرار على العملية التعليمية : زيادة اعداد المقبولين ومحدودية قدرة الجامعة جعل تنظيم الجداول الدراسية امرا معقدا بالنسبة لإدارة الجامعة ومرهقا بالنسبة للطلبة . وجود الشعب المشتركة يمثل حلا جيدا , فعلى سبيل المثال وجود اربع شعب للطالبات وأربعة للطلبة يجعل امام الطالب من الذكور او من الاناث أربعة فرص للاختيار اما ان كانت الشعب المشتركة ثمانية فيصبح امام الطالب او الطالبة ثمانية اختيارات . اما اذا اردنا ان نأخذ بالاعتبار رغبة البعض بعدم التسجيل في شعب مشتركة فيمكن جعل الشعب المشتركة ستة مثلا وتخصيص شعبة غير مشتركة للذكور وأخرى للإناث . وكل ذلك يتم من خلال تقدير من يدير عملية التسجيل لاعتبارات الواقع الذي يتعامل معه .

في الختام اظن ان الواقعة التي حدثت تلفت انتباه المراقب لخطورة ترك العملية التعليمية للحسابات السياسية . ورب ضارة نافعة فالواقعة تكشف عن الحاجة لإعادة النظر في هذا القانون فمضاره  اكثر من منافعه ,وعلى كل حال بعض جوانب هذا القانون تتعارض مع منطق القانون 79 /2019 وهذا يقود للقول بانطباق احكام المادة 41 . واليوم نحتاج لترشيد الموارد وصرفها لما هو اجدى مثل تحسين البحث العلمي وزيادة التخصصات الجامعية من خلال انشاء جامعات جديدة .

د.محمد الفيلي

كلية الحقوق